كيف يتعايش خبراء الاقتصاد مع غير أهل الاقتصاد؟ «1 من 2»
لم يشعر أهل الاقتصاد بالخجل قـط من تناول التساؤلات الكبرى التي تعدها تخصصات مثل التاريخ أو الاجتماع أو العلوم السياسية ميدانها الخاص. ماذا كانت العواقب البعيدة الأمد التي خلفتها العنصرية على المجتمع الأمريكي المعاصر؟ ولماذا تظهر بعض المجتمعات مستويات أعلى من الثقة الاجتماعية مقارنة بغيرها؟ وما الذي يفسر صعود الشعبوية اليمينية في الأعوام الأخيرة؟.
في تناول هذه القضايا والكثير غيرها من القضايا غير الاقتصادية، ذهب أهل الاقتصاد إلى ما هو أبعد من انشغالهم بأمور العرض والطلب المرتبطة بأسباب العيش. الواقع أن هذا التعدي على حدود التخصصات المعرفية ليس موضع ترحيب دائما. إذ يعترض علماء آخرون - بحق غالبا - زاعمين أن خبراء الاقتصاد لا يكلفون أنفسهم عناء التعرف على الأعمال المتاحة في التخصصات ذات الصلة. وهم يشتكون - بحق مرة أخرى - من ثقافة أكاديمية غير مضيافة. قد تبدو الندوات الاقتصادية العامرة بالمقاطعات والاستجواب العدواني في أعين الأشخاص من خارج التخصص أقرب إلى محاكم التفتيش من كونها منتدى للزملاء لإيصال النتائج واستكشاف أفكار جديدة.
ولكن، ربما يكون المصدر الأكثر أهمية للتوتر ناشئا من الأساليب التي يستخدمها الاقتصاديون في أبحاثهم. يعتمد أهل الاقتصاد على أدوات إحصائية لإثبات أن عاملا أساسيا بعينه يخلف تأثيرا "سببيا" في النتيجة محل الاهتمام. وهذه الطريقة، التي يساء فهمها عادة، قد تكون مصدرا لصراع هدام ولا نهاية له بين أهل الاقتصاد وآخرين.
يساعد فهم مزايا "وقيود" الطريقة التي يتبناها أهل الاقتصاد على توضيح القيمة التي يمكنهم إضافتها إلى تحليل المسائل غير الاقتصادية. وبالقدر ذاته من الأهمية، يؤكد هذا الكيفية التي قد يعمل بها النهج الذي يسلكه أهل الاقتصاد على تكميل، ولكن ليس أبدا الحلول محل، الأساليب البديلة النوعية غالبا التي تستخدم في تخصصات علمية أخرى.
من المفيد هنا أن نبدأ بفكرة السببية ذاتها. في العلوم، نكتسب المعرفة حول السببية بإحدى طريقتين. فإما أن نبدأ من السبب ونحاول تحديد آثاره، أو نبدأ من التأثير ونحاول التأكد من سببه - أو أسبابه. أطلق أندرو جيلمان، عالم الإحصاء من جامعة كولومبيا، على الطريقة الأولى مسمى "الاستدلال السببي المقدم" (الانتقال من السبب إلى التأثيرات المحتملة) والثانية "الاستدلال السببي العكسي" (الانتقال من التأثير إلى الأسباب المحتملة).
يـبدي أهل الاقتصاد هوسا شديدا بالأول من هذين الأسلوبين ــ الاستدلال السببي المقدم. فالبحث التجريبي الأكثر قيمة والأعظم أهمية في نظرهم هو ذلك الذي يثبت أن التغاير الخارجي في السبب الأساسي "إكس" له تأثير يمكن التنبؤ به وذو دلالة إحصائية على النتيجة موضوع البحث "واي".
في العلوم الطبيعية، تـقاس التأثيرات السببية باستخدام التجارب المعملية التي يمكنها عزل العواقب التي يخلفها التغاير في الظروف الفيزيائية على التأثير موضوع البحث. يحاكي أهل الاقتصاد هذه الطريقة أحيانا من خلال تجارب اجتماعية عشوائية. على سبيل المثال، قد يجري تخصيص الأسر بشكل عشوائي لأحد برامج المنح النقدية ــ مع حصول بعض هذه الأسر على الدخل الإضافي وعدم حصول بعضها الآخر عليه ــ بغرض اكتشاف تأثيرات الدخل الإضافي... يتبع.
خاص بـ"الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2021.