ارتفاع مخاطر فقاعة الأسهم
تهاوت أسواق الأسهم العالمية نتيجة للأزمة المالية العالمية في 2008. وتصدت دول العالم للأزمة من خلال سياسات التيسير المالي والنقدي وتنظيم الأسواق المالية التي قادت مسيرة التعافي بعد تلك الأزمة. استمرت مسيرة صعود الأسهم منذ الأزمة المالية حتى بداية أزمة كورونا التي تسببت في هبوط حاد للأسهم عند بدايتها ولفترة قصيرة، ولكن التدخل السريع والهائل من قبل الحكومات والبنوك المركزية ضخ كميات سيولة ضخمة في الأسواق. خفضت تلك السيولة تكاليف النقود إلى مستويات متدنية، وضخت موارد مالية غير مسبوقة لأسواق الأسهم التي ارتفعت إلى مستويات قياسية في عدد من الدول وفي مقدمتها الولايات المتحدة. ويبدو أن الأسواق المالية تعيش في حالة صعود منذ الأزمة المالية العالمية، وأن التراجع في بداية أزمة كورونا كان مؤقتا ولم يوقف مسيرة الصعود الطويلة.
يذهب بعض المختصين الماليين هذه الأيام إلى الاعتقاد بأن ممارسات أسواق المال والأمريكية بالذات تبالغ كثيرا في أسعار الأسهم. وتظهر المبالغة بشكل أوضح في أسعار أسهم التقنية، التي وصلت إلى مرحلة يعتقد كثيرون أنها فقاعة. ويدعم هذا الاعتقاد ما تشهده الأسواق من مضاربات ومبالغات سعرية وتقلبات حادة في أسعار بعضها. إضافة إلى ذلك، تشهد أسواق الأسهم سعار إصدارات الأسهم، وكثرة شراء الشركات لأسهمها. ويدعم وجهة النظر هذه أيضا ارتفاع القيمة السوقية للأسهم الأمريكية إلى مستويات تفوق كثيرا الناتج المحلي الإجمالي ما يعده كثيرون تسخينا للأسواق المالية. وارتفع ما يسمى مؤشر بوفت (القيمة الإجمالية السوقية للأسهم على الناتج المحلي الإجمالي) إلى مستويات قياسية حيث وصل إلى نحو 220 في المائة في الولايات المتحدة. وتفوق هذه النسبة المتوسط التاريخي بما يقارب 90 في المائة. ونتيجة لذلك ارتفعت قيم الأسواق المالية الأمريكية إلى نحو 60 في المائة من إجمالي قيم أسواق الأسهم العالمية، ما يعد مؤشرا قويا على وجود فقاعة في تلك الأسواق التي قد تنفجر في أي وقت.
يولي المختصون بأسواق الأسهم اهتماما بمؤشر بوفت، لأن نمو الناتج المحلي هو الذي يدعم نمو أرباح الشركات. ويسبق صعود المؤشرات المالية عادة النمو الاقتصادي، ولكن استمرار نمو المؤشرات المالية وحدها ليس كافيا لتحفيز الاقتصاد حيث ينبغي انعكاسه على الأسواق الحقيقية ولحاق النمو الاقتصادي بمسيرة الأسواق المالية. ويحول استخدام معظم السيولة المتدفقة للأسواق لأغراض المضاربة في أسعار الأسهم بدلا من ضخها في استثمارات حقيقية دون تحقيق أهداف التيسير النقدي والتوسع المالي. وفي هذه الحالة تتكون فقاعة سعرية تنفجر في وقت لاحق وتتسبب في تراجع النمو الاقتصادي.
ترتفع مؤشرات الأسهم العامة أو الخاصة لأي شركة لارتفاع مكررات الأرباح الحالية وتوقعاتها المستقبلية. ويبلغ المتوسط التاريخي لمكرر أرباح الشركات المدرجة في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 نحو 15، وارتفع متوسط مكرر الأرباح في الأعوام الأخيرة إلى نحو 20. أما أحدث تقديرات مكرر أرباح هذا المؤشر فتشير إلى ارتفاعه إلى نحو 43. وتأثرت مكررات الأرباح بالأزمة الاقتصادية وتتطلب عودتها إلى المتوسطات التاريخية بعض الوقت، لكن استمرار ارتفاعها يشير إلى مبالغة واضحة في أسعار الأسهم. أما توقعات مكرر الأرباح للربعين الثاني والثالث 2021، فهي في حدود 28 و27 على التوالي، وهي لا تزال فوق المعدلات التاريخية، لكنها أعلى بكثير لعدد من شركات التقنية التي تضخمت أسعارها.
تتأثر أسواق الأسهم كثيرا بالشائعات، وتنتشر شائعات بأن المطلعين على أحوال الأسواق من الداخل ومديري المحافظ رفعوا مبيعات الأسهم حاليا أكثر من السابق. وإذا تأكدت هذه الشائعة فهي مؤشر آخر على قرب حدوث حركة تصحيحية، لكن من الصعب التعرف على حجمها وعمقها والأسهم المتأثرة بها، ولكن يبدو أن شركات التقنية ستفقد جزءا من قيمها إذا حدثت. وهنا ينبغي التأكيد أن من الصعب تحديد توقيت أو حجم التصحيح السعري في الأسواق، ولهذا لا ينصح بالانسحاب الكلي من الأسواق، لكن ينبغي توخي الحذر أكثر من السابق، والتقليل قدر الإمكان من الدخول في أسهم المضاربة أو المضاربة بشكل عام.
يصعب تقدير توقيت انفجار الفقاعة، لكن لا بد من إدراك أنها موجودة والتصرف بناء عليه، ويتم ذلك من خلال خفض مستويات المضاربة والتوجه للأسهم ذات الأساسيات المغرية وكذلك زيادة نصيب النقد من إجمالي المحافظ. ويمكن الاستثمار في الشركات ذات القيمة (مؤشراتها الأساسية قوية مقارنة بأسعارها) التي فقدت كثيرا من قيمها في أثناء الجائحة ومسعرة بأقل من قيمها العادلة في الوقت الحالي. حذر بانك أوف أمريكا، أخيرا، من قرب انفجار فقاعة الأسهم، كما حذرت جهات صينية من فقاعة الأسهم في الولايات المتحدة. ويخشى المستثمرون من انفجار الفقاعة إلا أنها تولد فرصا لاحقة يمكن استغلالها لتحقيق مكاسب كبيرة، وكما يقال عند الأزمات تصنع الثروات. وتتركز الأنظار حاليا على ما يجري في الأسواق الأمريكية التي تؤثر بشكل واسع فيما يجري في الأسواق العالمية، وإن كانت كل سوق تملك خصوصياتها لكنها لا بد أن تتأثر بما يحدث في الأسواق الأخرى.