رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الاستدامة المالية في صناعة الكهرباء

يشير مفهوم الاستدامة المالية إلى قدرة المنظمة على حفظ القوة المالية بمرور الزمن، حيث تعتمد على مواردها الذاتية من غير تدخل خارجي، ويظل تمسكها بالمرونة المالية أمرا بالغ الأهمية على المدى الطويل. وتهدف الاستدامة المالية إلى ديمومة المنظمة أو توسعها في خدمات أخرى مع تطوير المرونة المناسبة في مواجهة الصدمات والهزات الاقتصادية العرضية على المدى القصير. وفي صناعة الكهرباء حيث يسعى الكل سواء المشرع أو المنظم أو مقدم الخدمة أو غيرهم من ذوي العلاقة مثل وزارة المالية وغيرها إلى الاستدامة المالية من أجل أن تقف الشركة السعودية للكهرباء وحدها من غير تدخل أو دعم حكومي. لقد أصدر برنامج تحقيق التوازن المالي ضمن رؤية المملكة 2030 لمراقبة واستشراف الأداء المالي عموما وتحقيق الاستدامة المالية، لكن نعمت الشركة بدعم حكومي سواء الديون الميسرة أو شراء الوقود بأسعار اسمية تقل عن سعر السوق كثيرا، ولم يتحقق مفهوم الاستدامة المالية حينها. ثم وجه الدعم في كل القطاعات الكهربائية - توليد، ونقل، وتوزيع، ومشتركون - إلى المستفيد الأخير - المشتركين - من خلال برنامج حساب المواطن ورفع التكلفة إلى درجة السوق في بقية القطاعات، وعليه رفع الكفاءة وتغطية التكاليف التشغيلية والتمويلية، وبلا شك فإن الجهود المباركة من قبل وزارة الطاقة في الإصلاح المالي والاقتصادي لصناعة الكهرباء واضحة وجلية. لكن نسمع أحيانا من البعض أنه لن تتحقق الاستدامة المالية في صناعة الكهرباء إلا من خلال رفع التعريفة، واصطدمت بعض المشاريع والمبادرات على صخرة التعريفة. ورغم أن جزءا من هذا الادعاء صحيح لكن ينقصه شيء كثير من الوضوح والشفافية. تتحقق الاستدامة المالية في صناعة الكهرباء من خلال العناصر التالية:
الأولى: إمكانية استرداد التكاليف. وهذا يتطلب القدرة على استرداد التكاليف من أي قطاع على أن يوازن بين تكاليفه وإيراداته. وهذا يتطلب توافر معلومات دقيقة عن تكاليف التوليد والنقل والتوزيع وفصل كل قطاع ماليا على حدة، وعادة ما تكون هذه التكاليف متاحة في الحسابات المالية المختلفة. ويوضح بها سياسات ورسوم أخرى مثل ضرائب الاستيراد وضريبة القيمة المضافة والضرائب البيئية مثل ثاني أكسيد الكربون والدعم البيني أو الإعانات. ولعل هذا العنصر يدعم رواد تحقيق الاستدامة المالية إلى حد ما برفع التعريفة، لكن يجب أن يتأكد مقدم الخدمة من كفاءة الإنفاق وضبط التدفقات المالية لكل قطاع - توليد، ونقل، وتوزيع، ومشتركون. ومنها مثلا تحديد نسبة الفقد الفني وغير الفني والتجاري - بكل دقة ومعرفة سبل تقليلها بمعية المنظم، لأنها تزيد من حجم التكاليف النهائية. ومن غير المنطقي أن يتحمل المستهلك تعريفة خدمة تغطي تكاليف تشمل فقدا عاليا يتجاوز الممارسات العالمية، ما يشير إلى قصور مقدم الخدمة في أداء واجبه.
الثاني: قدرة الصناعة على تلبية الطلب بشكل موثوق. وهنا يتم تحديد القدرة على تلبية الطلب بموثوقية عالية لتلبية الطلب سواء إلى المستهلكين أو دعم الاقتصاد الوطني. من ناحية الطلب، يؤثر السعر في استهلاك الكهرباء وهو عامل له تبعاته وتداعياته، ويمكن تخفيف الطلب من خلال التدابير التي تعزز حفظ الطاقة وترشيد الاستهلاك. وعلى جانب العرض تحتاج الصناعة إلى التأكد من توافر القدرة الكافية لتلبية الطلب على أن توضح أسس الكفاية والكفاءة لنظام الإمداد. ولأن الطلب على الكهرباء يتغير صعودا وهبوطا مع الفترات الزمنية، يجب أن يغطي الحمل الذروي ومنها تحديد الهامش الاحتياطي بما لا يثقل كاهل الصناعة ماليا، لكن يلبي الحاجة في حالة انقطاع الكهرباء. وتنعكس جودة الخدمة إيجابا على خدمات الكهرباء من خلال مدى قدرة العملاء على الوصول إليها والحصول عليها بشكل ثابت وجودة عالية.
الثالث: قدرة صناعة الكهرباء على جذب الاستثمار المطلوب إليها. رغم أهمية قدرة صناعة الكهرباء على تلبية الطلب الحالي، لكنها تحتاج إلى استثمارات وبشكل مستمر لضمان قدرتها على تلبية الاحتياجات المستقبلية. وتشمل الاستثمارات الضرورية في النفقات الرأسمالية للتوليد والنقل والتوزيع وكذلك الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة. ويمكن تقييم الاستثمارات على أساس الزيادة النسبية في حجم القدرات والإنفاق أو المصروفات المالية. وتجدر الإشارة إلى أن الاستثمارات المطلوبة يمكن أن تعتمد بشكل كبير على طبيعة البلد، فقد يعتمد بعض الدول على استيراد الطاقة الكهربائية، ولدى بعضها إمكانات جغرافية لبناء محطات الطاقة الكهرومائية، في حين أن الدول المصدرة للغاز قد تستخدم الغاز لتوليد الكهرباء.
الرابع: القدرة على العمل وفقا للمعايير البيئية والاجتماعية. يعد الأداء النظامي لصناعة الكهرباء مهما، ويجب أن يغطي كلا من الأداء المجتمعي والبيئي. إذا فشلت صناعة الكهرباء في تلبية المعايير الاجتماعية والبيئية، فقد يواجه ذلك تكاليف أعلى في المستقبل. فمولدات الكهرباء التي لا تطبق التقنيات الحديثة لتلبية المتطلبات البيئية أو معالجة الانبعاثات الكربونية قد تضطر إلى التعديل بتكاليف باهظة. إضافة إلى ذلك، تقيم مؤشرات الأداء الاجتماعية في التزام صناعة الكهرباء الوفاء باحتياجات جميع المستهلكين لأنهم مصدر الدخل، ويجب أن تكون قدرة مقدم الخدمة على تلبية احتياجات العملاء جانبا مهما من جوانب الأداء.
ختاما، تقوم الاستدامة المالية في صناعة الكهرباء على أربعة عناصر مهمة وليس على رفع التعريفة فقط. حيث تعد صناعة الكهرباء مستدامة ماليا إذا كانت قادرة على توفير الطاقة الكهربائية الكافية، وجاذبة للاستثمارات لتلبية الطلب المستقبلي مع إيجاد إيرادات كافية لتغطية تكاليف الإنشاء والتشغيل وفقا للمعايير البيئية والاجتماعية. بالإمكان رسم مؤشرات أداء وقياس العناصر الأربعة وربطها معا في مؤشر أداء عام لاستدامة صناعة الكهرباء ماليا. والأهم أن هذه العناصر لا توفر لمحة سريعة عن حالة صناعة الكهرباء المالية فحسب، بل تبرز مدى تقدم وتطور هذه الصناعة على مستوى البلد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي