البيانات الرقمية والأصول الاستراتيجية «1من 2»
تحدثنا سابقا عن أسباب عدم استفادة المنظمة من البيانات التي لديها أو المتوافرة عموما، وكيف أنها تمثل تحديا للمنظمة إذا لم توجد لائحة تحدد طبيعة الاستفادة من تلك البيانات. والسؤال هو لماذا تمثل البيانات أهمية قصوى في الاستراتيجية الرقمية؟ بلا شك يعد دور البيانات داخل كل منظمة أمرا مهما، ولذلك ننظر في بناء البيانات ليس فقط كعملية تشغيلية فحسب لكن كأصل استراتيجي في العمل. وليس مجرد تغيير تقني ولا يتعلق بنوع مستودع البيانات أو الخوادم التي تشتريها المنظمة أو تستخدمها أو كمية مجموعات البيانات التي تمتلكها. لكن الأمر يتعلق بكيفية استخدام البيانات وربطها بالاستراتيجية كعمل تجاري وربطها فعليا بقيم جديدة. وما زلنا نعيش الضجة التي حصلت من قرار شركة فيسبوك باستخدام بيانات تطبيق واتساب قبل تأجيله إلى حين.
كانت هناك سلسلة تنافسية مثيرة للاهتمام بين شركتي جوجل وأبل في تطبيق الخرائط. قررت شركة أبل على أثرها إنشاء تطبيق خرائط خاص بها، وفكر مطورو الشركة كثيرا في تصميم تطبيق خرائط والشكل الذي سيبدو عليه، وواجهة المستخدم وخطة تجربته مع العملاء والتفاعل معه، وكيفية التكامل مع جميع التطبيقات الأخرى على جهاز الآيفون. لكن كان هناك مجال واحد لم يلق القدر نفسه من الاهتمام، وهو البيانات، لقد أمضت "جوجل" وقتا طويلا وما زالت تستمر في إنفاق كثير من الموارد في تحديث البيانات لمحرك الخرائط.
لقد شاهدنا على تطبيق جوجل ماب قصصا أو صورا لسيارات "جوجل" التي تسير تجوالا، وليست سيارات ذاتية القيادة لكن سيارات يوجد بها كاميرات في الأعلى وهي كاميرات تجول افتراضيا تلتقط البيانات، وأحيانا صورا فعلية لما تبدو عليه. وتتحقق "جوجل" من الصور والبيانات وإعادة تقييمها وتنقيتها بشكل مستمر للتأكد من أن هذه الخرائط محدثة، لذلك كان استثمارا طويل الأجل في بناء أصول البيانات. لكن تعاملت "أبل" مع بيانات الخرائط على أنها بسيطة، فقد اشترت عديدا من الخدمات الجغرافية التي تحتوي على بيانات خرائط وبعضا من الخدمات المختلفة. وعندما أطلقوا الخدمة كانت تجربة مفزعة للعملاء، حيث احتوت الخرائط ببساطة على معلومات خاطئة رغم أن لديهم ميزات رئيسة مثل المباني الشهيرة داخل المدينة لكن كانت في موقع خاطئ. وأدى ذلك إلى ظهور قصص وأحداث انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي أثار عاصفة من الانتقادات لسمعة "أبل" في وسائل الإعلام الرئيسة.
يقول البروفيسور ديفيد روجرز، أستاذ كلية إدارة الأعمال في جامعة كولومبيا: "إن بيانات العملاء التي يستخدمها عديد من الشركات الرقمية العملاقة في عالم الأعمال اليوم هي واحدة من أكثر الأصول قيمة". لقد أصبحت البيانات أصلا استراتيجيا رئيسا، وأصلا رئيسا غير ملموس لعديد من أنواع الأعمال المختلفة، مثل الدمج أو الاستحواذ، فالملكية الفكرية قد تكون أصلا غير ملموس، وكذلك قد تكون بياناتها أحد الأصول الرئيسة غير الملموسة. في حقيقة الأمر فإن كل منظمة تحتاج إلى صياغة استراتيجية بيانات واضحة، حيث توضح كيفية جمع البيانات والاستخدام وإنشاء قيم جديدة منها في المستقبل. هناك بعض المبادئ التوجيهية عند النظر إلى صناعات مختلفة، حيث تقوم الشركات بالتفكير بشكل استراتيجي أكثر حول ما تعنيه البيانات في نماذج أعمالها الخاصة، وكل الشركات الرائدة مثل: فيسبوك وأمازون وجوجل وأبل ومايكروسوفت وغيرها، أعدت استراتيجية البيانات الرقمية الخاصة بها ووضعتها تحت مجهر الإدارة العليا في صناعة القرارات ... يتبع.