الصندوق الجريء لنقل تقنيات الطاقة
رؤية السعودية الطموحة 2030 التي نفخر بها ونفاخر أولت المحتوى المحلي وتوطين الصناعات أهمية بالغة في كثير من القطاعات، ومنها بلا شك قطاع الطاقة. صناعة النفط والغاز بأنشطتها الرئيسة الثلاثة وهي صناعة المنبع، والصناعة الوسيطة، وصناعة المصب، إضافة إلى صناعة الطاقة المتجددة بأنواعها المختلفة يمكن تقسيمها إلى صناعات مشاعة المعرفة، وصناعات غير مشاعة المعرفة. الصناعات مشاعة المعرفة هي تلك الصناعات التي لا ترتبط ببراءات اختراع أو ملكية فكرية، فهي منتشرة في جل الدول الرائدة في هذه الصناعات، وتوطين هذا النوع من الصناعات ليس بذي صعوبة في حد ذاته، لكن الصعوبة تكمن في منافسة المنتجات الأخرى المشابهة سواء كانت من منتجات محلية أو مستوردة، حيث إن الأسواق متشبعة بهكذا منتجات متشابهة في الجودة ومتقاربة جدا في الأسعار. أعتقد أن توطين الصناعات مشاعة المعرفة التي لا تحمل ميزة فنية تنافسية غير مجد ويحمل في طياته كثيرا من المخاطر التي ستنعكس سلبا على مستقبل هذه الصناعة وديمومتها، خصوصا إذا تشبعت الأسواق بهذه المنتجات وقادتها الحروب السعرية إلى مستوى لا تستطيع تحمله الشركات السعودية الصغيرة أو المتوسطة. الشركات الوطنية الصغيرة والمتوسطة غالبا لا تمتلك قسما خاصا للبحث والتطوير نظرا لمستوى الملاءة المالية لها، ما من شأنه التأخر فنيا ومعرفيا، وبالتالي عدم القدرة على مواكبة المنافسين. الصناعات غير مشاعة المعرفة، هي تلك الصناعات المعقدة والريادية لبعض الأجهزة والمعدات التي يصعب توطينها حيث إن قادة هذه الصناعات لن يقبلوا بوجود منافسين لهم وذلك بتنازلهم عن براءات اختراعهم أو ملكياتهم الفكرية وميزاتهم التنافسية. دائما أقول إن الصناعة هي الباب الكبير لتقدم ونهوض الأمم، وهي القيمة المضافة الحقيقية والفاعلة للوطن واستدامة اقتصاده، بل أحد أهم أدوات القضاء على البطالة. قطاع الطاقة يزخر بكفاءات وطنية يشار إليها بالبنان لديهم خبرة عميقة جدا في هذا القطاع، بعضهم ترجم خبراته وبدأ بالفعل نشاطه التجاري من خلال تأسيس شركة صغيرة أو متناهية الصغر، وهناك من ينتظر الفرصة المناسبة لذلك. من واقع تجربة وخبرة، هناك كثير من الفرص السانحة لهذه الشركات الوطنية لنقل المعرفة وتوطين بعض الصناعات غير المشاعة، بالشراكة مع شركات رائدة عالميا في مجالها. هناك عقبات تحول دون تحقيق هذا التعاون المثمر الذي سيعود بالفائدة بإذن الله على هذه الشركات الوطنية، والاقتصاد الوطني عموما. الملاءة المالية هي العقبة الرئيسة، حيث إن الشركات العالمية غالبا ما تحمل الشريك المحلي المصاريف التأسيسية والإدارية والتشغيلية مقابل حصة يتم الاتفاق عليها، وحصة الشريك الأجنبي مقابل التقنية، ونقل المعرفة والتشغيل والإشراف على العمليات. في رأيي إنشاء حاضنة لنقل تقنيات قطاع الطاقة وتوطينها تدريجيا، أو صندوق جريء تحت مظلة وزارة الطاقة لدعم هذه الشركات الوطنية سيسهم بفاعلية في تسريع وتيرة توطين الصناعات في هذا القطاع، وكذلك تسريع وتيرة نقل المعرفة وإحلال الكوادر الوطنية تدريجيا وتمكينهم، بل رفع نسبة الصادرات على المديين المتوسط والبعيد إلى الدول المجاورة كخطوة أولى ومن ثم التوسع جغرافيا. الشركات الناشئة اليوم ستصبح بإذن الله في المستقبل شركات عملاقة تسهم في دفع عجلة التنمية وتمكين الكوادر الوطنية، لكن كما قيل: "رأس المال جبان" والجرأة لا تحتملها هذه الشركات الناشئة.