رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التطورات ودوام السلام في سريلانكا

المعروف أن الجيش السريلانكي نجح بالقوة العسكرية في إلحاق هزيمة ساحقة ماحقة بحركة نمور التاميل الانفصالية التي سعت منذ عام 1983 إلى تكوين دولة منفصلة خاصة بالأقلية التاميلية في الأقاليم الشمالية والشرقية - يشكلون فيها 70 في المائة من عدد السكان - من هذا البلد الآسيوي قليل الحظ.
كان الثمن باهظا بطبيعة الحال وتمثل في مقتل نحو 100 ألف من رجال الجانبين وتخريب المنشآت الحيوية وتعطيل التنمية وإيقاف النشاط السياحي - المصدر الأهم للدخل القومي - وغير ذلك. والمعروف أيضا أن حركة نمور التاميل لجأت في محاولاتها الانفصالية ضد الحكومة المركزية في كولومبو وضد الأغلبية السينهالية البوذية الحاكمة إلى أعمال إرهابية مقيتة أدت إلى وضعها على قائمة الجماعات الإرهابية من قبل عديد من الدول، مثلما أدان كثيرون أساليب زعيم الحركة فيلوبيلاي برابهاكاران الباطشة والديكتاتورية بحق مواطنيه التاميل. وكانت أعمال التاميل الإرهابية من منطلق الأخذ بالعدالة.
بعيد تحقيق الجيش السريلانكي للنصر عام 2009، استبشر كثيرون بأن السلام سيعم البلاد، وأن حكومة كولومبو ستعزز انتصارها باتخاذ إجراءات من شأنها تلافي أخطاء الماضي من خلال إشراك الأقليات في السلطة أو إعطاء بعض الأقاليم صلاحيات إدارية واسعة، وذلك قطعا لدابر أي محاولات انفصالية جديدة وتحقيقا للوحدة الوطنية. غير أن من الواضح اليوم أن ذلك كان من وحي الخيال الرومانسي وليس له مكان في سلطة كولومبو، الذين يعدون أن فكرة الانفصال في وطن مستقل ما زالت تعشش في أذهان التاميليين رغم عدم وجود تهديد مسلح من جانبهم في الوقت الراهن، وبالتالي لا مناص من وجود سلطة أكثر مركزية في كولومبو إن أرادت البلاد أن تحقق سلاما طويل الأجل وتنمية مستدامة.
والحقيقة: إنه مع عودة آل راجاباكسا إلى السلطة، وانتخاب جوتابايا راجاباكسا رئيسا للبلاد، وتولي شقيقه رئاسة الحكومة لوحظ منحى جديد في إدارة سريلانكا، وإنما أيضا التطلع إلى شكل جديد من أشكال الحكم وفق أيديولوجية غير محايدة. وهذه بطبيعة الحال عودة إلى النهج القديم الذي يستند إلى مفهوم التاميل السابق، وإن وطنهم الأم هو ولاية تاميل نادو في أقصى الجنوب الهندي المواجه لسواحل سريلانكا الشمالية، وأن وجودهم في سريلانكا كان نتيجة لغزوات تاريخية قديمة أو مخططات استعمارية نفذها المستعمر البريطاني عام 1837 من أجل مصالحه. ومثل هذا الكلام نسب إلى مسؤول في الحكومة السريلانكية.
ولعل ما يضعف موقف الأقليات في البلاد لجهة تحقيق بعض المكاسب، وفي الوقت نفسه يترك سريلانكا غنيمة للأغلبية السنهالية هو الانقسامات داخل صفوف الأحزاب السياسية المعارضة، بدليل أنهم لم ينجحوا في أكتوبر الماضي في منع تعديل دستوري يرفع سن الانتخاب إلى 20 عاما، كما أنهم لم ينجحوا في الانتخابات الرئاسية الماضية في نوفمبر 2019 في فوز المرشح ساجيت بريماداسا - الأقل تشددا رغم مقتل والده في هجوم انتحاري نفذته نمور التاميل عام 1993 في مواجهة جوتابايا راجاباسكا الأكثر ديكتاتورية، حيث حصل الأول على 42.99 في المائة من الأصوات مقابل 52.25 في المائة للثاني. وعلى المنوال نفسه فشلوا في تفعيل ما أجازه الدستور الـ 13 الذي سن عام 1987، لجهة إنشاء مجالس الأقاليم كي يدير أبناء الأقاليم شؤونهم بأنفسهم، علما بأن الطبقة السنهالية الحاكمة ناورت طويلا حول هذا البند الدستوري وعطلته بحجة أنه فرض فرضا عليهم من جهات خارجية. ويمكن القول: إن ما عزز مخاوف الأغلبية السنهالية البوذية من هذا الأمر الاعتداءات الإرهابية التي نفذها متطرفون عام 2018 ضد عدد من الفنادق والكنائس في كولومبو وسقط فيها 269 شخصا ما بين قتيل وجريح.
ونخالة القول: إن الأغلبية السنهالية الحاكمة لا تجد أي مبرر، وقد انتصرت على التهديد الداخلي الانفصالي، لتقديم تنازلات للأقليات، مؤمنة بشدة بأن الأمة بحاجة إلى حكم زعيم قوي يساعده فريق من الوزراء المهنيين لوضع البلاد على طريق التنمية والازدهار. والوزراء المهنيون هنا - بطبيعة الحال - هم من الرموز المتقاعدة من الجيش السريلانكي الذي يهيمن عليه السنهاليون منذ إنشائه عام 1948 بعد استقلال البلاد عن بريطانيا. وفي هذا السياق يدور الحديث حول احتمال أن يصار إلى تعديل الدستور للمرة الـ 20، حيث يدون فيه تركيز السلطة في شخص رئيس الجمهورية تفاديا لتكرار الأزمة الدستورية التي حدثت عام 2018 بين الأخير ورئيس الوزراء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي