السعوديون يقتحمون جوائز الأوسكار بـ "سيدة البحر"
يمثل فيلم "سيدة البحر" السعوديين في مسابقة الأوسكار المقبلة، عن فئة أفضل فيلم دولي، ملقيا الضوء على قضايا المرأة وصراعاتها الداخلية، في أحداث تجمع الواقع بالخيال، وتقدم لنا فيلما فريدا قد يشكل علامة فارقة إذا ما تمكن من حصد ثاني "أوسكار" عربي، لتأتي بعد مضي 50 عاما على فوز أول فيلم عربي بجائزة في الأوسكار، نالها فيلم جزائري عام 1970.
الفيلم الذي رشحته هيئة الأفلام يشكل في حد ذاته حالة سينمائية، لتفرّد القصة ورمزيتها، التي تدور في إطار أسطوري تنقلب فيه الموازين، وتنسج حكاية فيها كثير من الرسائل، وتخرج للمشاهد قصة جديدة باللونين الأبيض والأسود، في سمات ومزايا ترفع من حظوظه لنيل أرفع جوائز العالم السينمائية.
قصة أسطورة
ترشح فيلم "سيدة البحر" من قبل لجنة متخصصة، ليخوض منافسة مع الأفلام المرشحة من بقية دول العالم، يمر فيها بعدة مراحل فرز قبل الإعلان عن القائمة النهائية، التي ستختارها الأكاديمية الأمريكية للعلوم والفنون المانحة جوائز الأوسكار، ويكشف عن الفيلم الفائز بها خلال حفل الدورة 93 ، الذي سيقام في 25 أبريل 2021.
ويروي الفيلم قصة أسطورية، بطلتها فتاة صغيرة اسمها "حياة" تتربى في قرية نائية، وتخضع القرية لتقاليد غريبة تفرض على سكانها تقديم الإناث من أطفالها إلى مخلوقات غريبة تعيش في المياه المجاورة، والتضحية بهن لقلة مواردهم وقوت حياتهم، عدا "حياة" التي يرفض والدها هذه التضحية، ويتحديان هذه التقاليد المظلمة، ليعيشا في عزلة منبوذين من بقية سكان قريتهم.
نجمة القصة حياة هي فتاة شجاعة وصلبة الإرادة، تتعلم حب نفسها وجسدها، وتقبل الواقع، والتمرد عليه في الوقت نفسه، في رحلة داخلية مليئة بالصعاب والدروس، وتحاول من خلالها حياة أن تجد طريقة للتصالح مع القرية، وكذلك التصالح مع نفسها، في قصة تشبه قصص حوريات البحر، تلمس في تفاصيلها تجارب الأنثى، في دلالة رمزية، تثير التساؤلات والتأملات.
كما يعبر الفيلم عن شخصية شهد أمين ورؤيتها لقضايا المرأة، إذ اختارت اسم "حياة" لنجمة "سيدة البحر" تعبيرا عن الإصرار على الحياة، ولقي الفيلم إشادات من نقاد، بعد أن عُرض في أكثر من عشرة مهرجانات حول العالم.
حاصد الجوائز
نحسن الوصف إذا أطلقنا لقب "حاصد الجوائز" على فيلم "سيدة البحر"، فالفيلم سبق أن نال مجموعة جوائز في زمن قصير، منها "التانيت البرونزي" في أيام قرطاج السينمائية، وثلاث جوائز في مهرجان الرباط في المغرب، وجائزة أفضل فيلم ضمن منافسته في المسابقة الرسمية لمهرجان سنغافورة السينمائي الدولي، وحصد جائزة نادي "فيرونا" عن فئة الفيلم الأكثر إبداعا، ضمن أسبوع النقاد في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي.
وتوجت شهد أمين هذه الجوائز وغيرها من الترشيحات، بالتأهل لدخول مسابقة الأوسكار. وحولها تقول أمين "لقد تجاوز ذلك أفضل توقعاتي، خاصة كمخرجة عربية"، مضيفة في بيان لهيئة الأفلام أنها "صنعت فيلم "سيدة البحر" من أجل أن يكون ممتعا، وتتم مشاهدته من قبل كثيرين ليصبح محفزا للحوار حول أدوار النساء في المجتمع والعالم العربي".
أما شخصيات الفيلم فهي متنوعة، جاءت من خلفيات ثقافية متباينة، فشخصية "حياة" قدمتها الطفلة السعودية بسيمة حجار، والأم هي الممثلة الإماراتية فاطمة الطائي، ومن نجوم العمل الممثل الفلسطيني أشرف برهوم، والنجم السعودي يعقوب الفرحان.
فيلم بدون ألوان
مر الفيلم بتحديات وصعاب حتى رأى النور، فتصويره الذي بدأ في عام 2014 هو من إنتاج مشترك، سبق ذلك بعام كتابة الفيلم، فيما اختيرت سلطنة عمان لتصويره، بعد أن بحثت المخرجة شهد أمين عن مناطق ملائمة في المنطقة العربية، لتزور مدينة العقبة وشمالها منطقة البحر الميت، لكن لم يحالفها الحظ في العثور على قرى قديمة هناك، ثم بحثت في جزيرة فرسان جنوب المملكة، ووجدت أن معظم القرى القديمة هدمت، لتختار منطقة "مسندم" في عمان، وواديا يسمى "كومزار" عند مضيق هرمز.
تعترف أمين أن صناعة فيلم في هذا المكان مهمة صعبة للغاية، لعدم وجود مدارس دراما هناك، وكان من الصعوبة إيجاد من يؤدي الأدوار المناسبة، إضافة إلى تحديات لوجستية تتمثل في التصوير في عرض البحر، على القوارب وفي الماء، وسط حركة أمواج البحر وعدم الاتزان الذي يؤثر في تصوير المشاهد وجريان الأحداث.
أما سكان المنطقة فكانوا مرحبين بالفيلم، يتسمون بخصوصية فريدة، فهم يتحدثون لهجة خاصة تمزج بين العربية والفارسية والهندية وقليل من البرتغالية، تأثرا بوجود البرتغاليين هناك في إحدى الفترات الزمنية من تاريخ المنطقة.
ما يلفت نظر مشاهد الفيلم أنه قدم للعرض بالأبيض والأسود، في فكرة جديدة، ترمز إلى فترة تاريخية قديمة، وفانتازيا لجزيرة فيها الناس يضحون ببناتهم ليعيشوا، في أجواء ساحرة، وبيئة يمتزج فيها الصخر بالبحر، لتقدم لنا صورة بصرية إبداعية.
وحول ذلك، قالت أمين في إحدى مقابلاتها "إن الفيلم بالألوان كان رائعا للغاية، لكنه لم يمنحها إحساس الجفاف الذي كانت تريده في العمل، فهو يتناول قصة قرية تضحي ببناتها، لذا كانت تريد إظهار جفاف القرية، والأبيض والأسود ساعدها على تحقيق هذا الأمر".
شهد عقب تسلمها إحدى جوائز الفيلم كشفت عن أنه مر برحلة طويلة من العمل استمرت أكثر من ستة أعوام، واجهت فيها كثيرا من الصعوبات، خاصة إقناع فريق عمل الفيلم بالفكرة، لكنهم آمنوا بها، وحاربوا من أجله ولم يستسلموا.
وكان "سيدة البحر" قد عرض داخل المملكة في صالات السينما، وكتبت له أغان خاصة، وركزت المخرجة على القالب البصري الجمالي لمكان القصة.
مولعة بالتاريخ
"سيدة البحر" هو العمل الروائي الطويل الأول للمخرجة السعودية شهد أمين، التي درست السينما في مدرسة متروبوليتان السينمائية في لندن، وعادت إلى وطنها لتعمل مساعد مخرج في الإعلانات والأفلام، لكنها عادت لتدرس الأفلام من جانب آخر، بعد أن أنهت الإخراج، لتدرس هذه المرة كتابة السيناريو في نيويورك الأمريكية.
أخرجت خلال مسيرتها أفلاما قصيرة عدة، مثل "موسيقانا"، "نافذة ليلى" و"حورية وعين"، الذي يعد امتدادا لفيلمها الطويل، من بطولة الطفلة نفسها بسيمة حجار، ويشاركها البطولة نجوم آخرون، وحصد جائزة أفضل فيلم في مهرجان أبوظبي السينمائي، وجائزة النخلة الفضية من مهرجان أفلام السعودية.
وكانت شهد أمين كشفت عن أنها مولعة بالتاريخ العربي، ودخولها السينما كان بتخطيط وإصرار، بعدما شاهدت مسلسل "الكواسر" الشهير وهي في سن العاشرة، فقررت حينها أنها ستصبح مخرجة، ولقيت كل الدعم من عائلتها.
3 أعوام لكل فيلم
في تصريح لأمين أدلت به عبر جلسة افتراضية نظمها معرض أبوظبي الدولي للكتاب، أكدت أنها تقضي ثلاثة أعوام من عمرها عند كتابة وإنتاج وإخراج كل فيلم جديد.
وقالت "إنها تلقت عددا من السيناريوهات وحاولت كتابة نصوص تحمل فكرة جديدة، لكنها لم تجد فيها الإلهام والاختلاف والجدية والهوية التي تسعى إليها، وكشفت عن أنها تميل إلى القراءة في علم الأساطير "الميثولوجيا"، وتستوحي منها أفكارا جديدة ومختلفة لأعمالها الإنتاجية الفنية والسينمائية.