الحليب وقود للطائرات

من أهم الأمور، التي نالت النصيب الأكبر من اهتمام وتوصيات قادة العشرين، الاقتصاد الدائري المستدام بالحصول على الطاقة من مصادر متجددة، يكفيك فقط أن تنظر حولك، وتتفكر، وستجد نفسك محاطا بكثير من مصادر طاقة مهملة أو غير معروفة، ما عليك سوى ابتكار طرق للاستفادة منها ومن أغرب المصادر، التي يمكن تحويلها إلى طاقة تشغل الطائرات الحليب! في آخر إحصائية للهيئة العامة للإحصاء ورد فيها أن مزارع الأبقار في السعودية تنتج أكثر من ملياري لتر من الحليب في مزارع الأبقار المتخصصة سنويا، ما يعني أكثر من أربعة ملايين لتر من المخلفات السائلة، إذا علمنا أن كل لتر حليب يخلف لترين من النفايات تعرف بـ"مصل اللبن الحامض"، الذي لا يمكن استخدامه بكميات كبيرة لتغذية الحيوانات لحموضته العالية إلا بعد معالجته أو استخدامه كسماد بنشره فوق الأراضي الزراعية مباشرة!
ابتكر أستاذ التقنية الحيوية في جامعة توبينجن الألمانية (لارس إنجيننت) طريقة لتحويل هذه الكميات الكبيرة من النفايات السائلة إلى منتجات قيمة يمكن الاستفادة منها، بعد أن لاحظ الانتشار الواسع للزبادي اليوناني عندما كان يعمل في جامعة كورنيل الأمريكية، حيث تنتج أمريكا 770 ألف طن متري من الزبادي اليوناني، وذلك باستخدام وعاء يحوي البكتيريا أو ما يعرف بمفاعل الميكروبات، يقول إنجيننت: "يعد هذا المفاعل مزرعة مفتوحة، إنه يسمح للبكتيريا بالدخول والنمو من المحيط الخارجي بطريقة مشابهة لميكروبات الأمعاء، ولا تتطلب هذه العملية تعقيما للوعاء أو للنفايات السائلة، ويتم اختيار البكتيريا وخدعها لإطالة البنية الكربونية للمواد الكيميائية باستخدام عملية تسمى إطالة السلسلة الكربونية".
الناتج من هذا المفاعل مادة زيتية مكونة من سلسلة كربونية تحتوي من ست إلى ثماني ذرات كربون يمكن استخدامها مرة أخرى علفا للحيوانات أو بديلا للمضادات الحيوية، التي تستخدم عادة لمعالجة الحيوانات لقدرته المضادة للبكتيريا، أو تعريض الزيت لمعالجات أخرى وتحويله إلى وقود للطائرات، بعملية سهلة دون الحاجة إلى أي مواد كيميائية أو تعقيم . إن عملية إنتاج هذا الزيت الحيوي تعد إحدى عمليات تطوير الاقتصاد الدائري، بحيث يعاد تدوير جميع النفايات وتحويلها إلى منتجات اقتصادية ذات قيمة باستخدام مصادر الطاقة المتجددة.
انطلقت أول رحلة طيران في العالم باستخدام وقود حيوي منتج محليا في الإمارات، ومستخلص من النباتات المزروعة في المياه المالحة من أبوظبي متجهة إلى العاصمة الهولندية أمستردام مطلع العام الماضي، ونأمل أن تنطلق رحلة مماثلة من السعودية باستخدام وقود الحليب قريبا وقبل حلول 2030.