مجموعة العشرين منتدى الكبار
بعد عديد من الأزمات العالمية في تسعينيات القرن الماضي كأزمة الديون السيادية لبعض الدول النامية والأزمة الاقتصادية الآسيوية التي أثرت في الاقتصاد العالمي، أدرك عديد من المسؤولين في مجموعة الدول السبع الاقتصادية الكبرى قصور جهود المجموعة في التصدي للأزمات الاقتصادية العالمية وأهمية إشراك مزيد من الدول الصاعدة المؤثرة والكبيرة اقتصاديا. ونتيجة لذلك تم في عام 1999 تبني إنشاء مجموعة العشرين التي تضم 19 دولة مهمة اقتصاديا إضافة إلى الاتحاد الأوروبي. وكانت المجموعة تعقد اجتماعاتها في البداية على المستوى الوزاري، ولكن نشوب الأزمة المالية العالمية، وضخامة تأثيراتها السلبية، واتساع انتشارها، وضرورة التحرك الجماعي قاد إلى رفع مستوى اجتماعاتها إلى مستويات القمة. ولهذا فإن الميلاد الحقيقي والمؤثر للمجموعة قد يكون عند نهاية عام 2008، عندما دعا الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن إلى عقدها على مستوى القمة في واشنطن، حيث برزت المجموعة كقوة مؤثرة في مجال السياسات الاقتصادية العالمية.
تطلبت الأزمة المالية العالمية سرعة وضخامة التصدي الجماعي والمنسق لها، لهذا عقدت المجموعة قمتها الأولى في واشنطن عند نهاية 2008، ثم عقدت قمتين في السنة خلال عامي 2009 و2010. بعد ذلك اكتفت المجموعة بعقد قمة سنوية على مستوى قادة ورؤساء الدول الأعضاء، إضافة إلى عقد اجتماعات وزارية ولحكام المصارف المركزية والخبراء. ركزت المجموعة اهتماماتها ومباحثاتها في البداية على التحديات والقضايا العالمية المالية والاقتصادية ثم توسعت لتشمل مزيدا من المجالات المرتبطة بها كالزراعة والتوظيف والسياحة والمناخ والصحة والتعليم. وقد سعت المجموعة إلى تنسيق الجهود العالمية في التصدي للأزمة المالية العالمية في عام 2008 من خلال تبني سياسات مالية ونقدية مناسبة ومتزامنة التي حالت دون انهيار النظام المالي العالمي وخففت من حدة الانكماش الاقتصادي العالمي في تلك الفترة. ونجحت المجموعة في تبني برنامج إنقاذ عالمي بتريليونات الدولارات للاقتصاد العالمي خلال الأزمة المالية العالمية في عام 2008، كما قاومت ضغوط فرض قيود على التجارة الخارجية، وتبنت برامج إصلاحات هيكلية للنظام المالي العالمي للحد من فرص تكرار الأزمة المالية. وعموما تتخذ المجموعة عديدا من القرارات المؤثرة خلال اجتماعاتها الدورية. وقد تبنت في عام 2016 أهداف برنامج الأمم المتحدة للتنمية المستدامة حتى عام 2030. وتشمل أهداف البرنامج الـ17 القضاء على الجوع، والتصدي للفقر، والسعي إلى مزيد من العدالة في توزيع الدخل، وتحسين الرعاية الصحية ونوعية التعليم، والمساواة بين الجنسين، والتصدي للتغيرات المناخية، وتحفيز النمو المتسدام والمتوازن.
تسهم مجموعة العشرين بنحو 85 في المائة من الناتج المحلي العالمي، كما تمثل تجارة دول المجموعة الخارجية ما لا يقل عن ثلاثة أرباع التجارة العالمية، لهذا فإن دول المجموعة تسيطر بشكل فعلي على مجريات الاقتصاد العالمي. ولا يقتصر الأمر على ذلك حيث يقطن دول المجموعة ما يقارب ثلثي سكان العالم. ومن ناحية الجغرافيا تشكل دول المجموعة معظم مساحات قارات العالم ما عدا القارة الإفريقية. وتتضمن المجموعة الدول الكبرى من الناحية العسكرية والاستراتيجية، والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي. وتضم المجموعة بشكل فعلي صناع السياسات العالمية، لهذا تكتسب اجتماعاتها أهمية بالنسبة للعالم.
وعلى الرغم من أهمية المجموعة الكبرى فلا توجد خصائص محددة للانتساب لها، ولكن أعضاءها يملكون مقومات اقتصادية قوية ويتحكمون في مفاصل الاقتصاد العالمي. وتحتل 18 دولة عضوا فيها والاتحاد الأوروبي مراكز في قائمة أكبر 20 بلدا من ناحية الناتج المحلي الإجمالي على مستوى العالم. والدولة الوحيدة العضو التي تتأخر قليلا في ترتيب الأهمية الاقتصادية العالمية هي جنوب إفريقيا التي تحتل المرتبة 40 في الناتج المحلي الإجمالي حسب تصنيف صندوق النقد الدولي لهذا العام.
لا تملك المجموعة سكرتارية دائمة تضمن استمرارية أعمالها. وتتحمل الدولة الرئيسة المستضيفة للقمة مسؤوليات ترتيب وتنظيم أعمال المجموعة، وتساعدها عادة الدولة الرئيسة السابقة والدولة الرئيسة اللاحقة. تم تأسيس المجموعة على أساس تفاهمات بين قادة العالم الرئيسيين، ولا توجد اتفاقية عالمية لتأسيسها أو حوكمتها، لهذا تتصف جداول أعمالها ومجالات تغطيتها للقضايا بالمرونة، كما لا توجد لائحة محددة وأنظمة حول العضوية وحقوق التصويت. تملك الدول الأعضاء حقوقا متساوية في التصويت وتتخذ قراراتها بالتوافق والإجماع بين الدول الأعضاء. يحضر اجتماعات المجموعة عدد من المنظمات العالمية والإقليمية المهمة كالأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية ومنظمة العمل الدولية. وتشارك إسبانيا كضيف دائم في اجتماعاتها وللدولة المضيفة دعوة أي بلد أو منظمة لحضور الاجتماعات. تتحمل الدولة الرئيسة مسؤوليات تنظيم اجتماعات لجان العمل، وتنظيم المؤتمرات المتخصصة، والاجتماعات الوزارية. إضافة إلى ذلك تسهم الدولة الرئيسة بشكل كبير في تحديد جدول أعمال اجتماعات القمة، وتحديد مسارات النقاشات المالية وغير المالية. وتسهم الأحداث والقضايا العالمية الاقتصادية وغير الاقتصادية الجارية، وكذلك المهام والأهداف المحددة في المؤتمرات السابقة في تشكيل جدول أعمال القمة.
تدخل المجموعة في حوارات مع مؤسسات وتجمعات قطاع الأعمال ومؤسسات الأبحاث والمجتمع المدني التي يتم عديد منها من خلال مؤتمرات وندوات ولقاءات تسبق عقد القمة. وتنتج عن هذه الحوارات عادة أوراق وتوصيات قد تدرج في جدول أعمال القمة. وقد تأسست مجموعات مشاركة لمجموعة العشرين خلال مسيرتها في مجالات الأعمال، والعمالة، والشباب، والمرأة، ومؤسسات المجتمع المدني، ومراكز الفكر والبحث العلمي.
المجموعة عبارة عن منتدى لكبار الدول ويتخلل قممها كثير من الاجتماعات بين قادة دول العالم الرئيسة، حيث تدور المباحثات الثنائية ومتعددة الأطراف حول عديد من القضايا البينية ومتعددة الأطراف. وهذا يقود في عدد من الأحيان إلى عقد عديد من الاتفاقيات والتفاهمات الثنائية ومتعددة الأطراف التي توثق العلاقات بين أطراف المجموعة أو تخفف التوتر بين أعضائها وترفع مستوى التعاون في عديد من التحديات التي تواجه العالم.
تتولى المملكة رئاسة المجموعة منذ بداية كانون الأول (ديسمبر) 2019 لهذا تتحمل أعباء ومهام تنظيم أعمالها والتحضير لمؤتمر قمتها لعام 2020. وقد واجه العالم خلال هذا العام وقتا عصيبا بسبب جائحة كورونا المستجد الذي قاد إلى تراجع قوي في الناتج المحلي العالمي. وقد نجحت المملكة في عقد مؤتمر قمة استثنائية افتراضية في أواخر آذار (مارس) الماضي لتنسيق الجهود الدولية للتعامل مع آثارها الصحية والاقتصادية العالمية، كما تم تنظيم عديد من الاجتماعات الافتراضية في مجالات متعددة. وسيتم عقد قمة هذا العام لاحقا في المملكة بشكل افتراضي، وسبقها ما يقارب 100 فعالية مرتبطة بالقمة كالمؤتمرات والاجتماعات الافتراضية. ويتيح تحمل المملكة مسؤوليات عقد القمة فرصا لإدخال اهتمامات وقضايا منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ضمن النقاشات، ما سيساعد على التصدي للتحديات التي تواجه المملكة والمنطقة بشكل كبير. وتمثل عضوية المملكة في المجموعة اعترافا عالميا بأهمية المملكة في العلاقات الدولية خصوصا الاقتصادية والمالية. وتتيح عضوية المملكة في المجموعة فرصا للمشاركة في صنع القرارات المؤثرة عالميا والسعي إلى تعظيم مصالحها ومنافعها من الاتفاقيات والعلاقات الدولية.