رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الآثار الاقتصادية للتغير السياسي الأمريكي

تحظى الانتخابات الأمريكية باهتمام واسع على المستوى العالمي، نظرا لمكانة الولايات المتحدة الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية وتأثر معظم دول العالم بسياساتها. وتحتل الولايات المتحدة المرتبة الأولى عالميا في الناتج المحلي المقيم بمعدلات الصرف، كما أنها شريك تجاري مهم لمعظم دول العالم، حيث تأتي أولا في حجم الواردات والثانية في الصادرات، كما أنها منشأ ومصدر التطور التقني الأبرز، والمستثمر والمتلقي الأول للاستثمارات والتدفقات الرأسمالية. إضافة إلى ذلك تتأثر السياسات النقدية العالمية بالسياسات الأمريكية، لكونها المصدرة للعملة العالمية الرئيسة والأكبر تداولا، والمركز المالي الأهم على مستوى العالم.
يتنافس الحزبان الجمهوري والديمقراطي على حكم الولايات المتحدة ويوجد شبه تناوب في اعتلاء قمة الهرم السياسي الأمريكي. وقد انتهت للتو آخر انتخابات رئاسية حيث تشير المؤشرات إلى فوز بايدن، المرشح الديمقراطي بالرئاسة بعد حكم الرئيس الجمهوري ترمب، الذي سينتهي في كانون الثاني (يناير) العام المقبل. ويمكن القول بشكل عام إن فترات حكم الحزب الجمهوري تتميز بسياسات خفض الضرائب - التي عادة ما تكون لمصلحة مرتفعي الدخل - وتقليص الإنفاق على الخدمات العامة والدعم الاجتماعي، والحد من دور الحكومة المركزية، وزيادة الإنفاق الدفاعي. في المقابل، يعزز الحزب الديمقراطي دور الحكومة المركزية في السياسات الداخلية، ويرفع الإنفاق على الخدمات العامة والدعم الاجتماعي، ويسعى لرفع عدالة توزيع الدخل، ويحاول السيطرة على الإنفاق الدفاعي.
ومن المتوقع أن يسعى الرئيس المنتخب حديثا جو بايدن، إلى زيادة الإنفاق في المجالات الصحية والتعليمية والاجتماعية بوجه عام مع التركيز بشكل خاص على الرعاية الصحية والتعامل مع الآثار الاقتصادية لجائحة كورونا، التي تأثرت بها الولايات المتحدة بشكل سيئ. وسيحاول تمرير باقة دعم ضخمة - أكبر من باقة الحزب الجمهوري - للتعامل مع آثار جائحة كورونا، وسيسعى بشكل أقوى لتبني معايير الوقاية من الجائحة، كما يخطط لزيادة الإنفاق على التعليم، وتوفير مزيد من التغطية الصحية والدعم الاجتماعي بشكل عام، إضافة إلى تبني إعادة تجديد البنية التحتية التي تهالك جزء كبير منها، والسيطرة على الإنفاق الدفاعي. ولمواجهة تكاليف رفع الإنفاق الحكومي من المقرر أن يدعم الرئيس المنتخب خطط رفع الضرائب على الشركات وعلى الدخول المرتفعة التي ستغطي جزءا كبيرا من زيادة الإنفاق ولكن سيغطى جزء منها بزيادة العجز المالي خلال الأعوام المقبلة. وتواجه فرص تمرير سياسات إنفاق الرئيس المنتخب صعوبات كبيرة مع استمرار سيطرة الحزب الجمهوري على مجلس الشيوخ، ما قد يعني تغييرا محدودا في سياسات الحكومة المركزية وحجما أقل في تأثير السياسات في الاقتصاد الأمريكي ومعدلات نموه. وتؤثر معدلات نمو الاقتصاد الأمريكي في الطلب العالمي على السلع والخدمات، ما يعني تغيرا محدودا على اتجاهات الواردات من دول العالم. وفي حالة عدم إقرار جزء كبير من برامج وخطط الرئيس المنتخب، فسيستمر الاعتماد على مجلس الاحتياطي الفيدرالي وسياسته النقدية في تحفيز النمو، ما يعني استمرار سياسات التيسير النقدي وبقاء معدلات الفائدة منخفضة على الأمد المتوسط.
اتسمت فترة حكم الرئيس ترمب بتوترات ونزاعات وحروب تجارية مع الشركاء التجاريين الرئيسين، وخصوصا الصين، كما شهدت ضغوطا على حلفاء الولايات المتحدة في التجارة الخارجية، وكذلك تخليا عن المنظمات الدولية. ومن المتوقع أن تكون سياسات الرئيس المنتخب أكثر دبلوماسية في السياسات التجارية الخارجية وعودة إلى سياسات بناء التحالفات مع أوروبا وحلفاء أمريكا في الشرق الأقصى. أما الخلافات التجارية مع الصين فستستمر مع تخفيف النبرة الكلامية. لهذا من المتوقع أن تخف نبرة المشاحانات التجارية مع دول العالم ما قد يوفر استقرارا أفضل في التجارة العالمية، ولكن ستواصل الولايات المتحدة سياسات الضغوط على شركائها التجاريين للحصول على أكبر قدر من المكاسب التجارية. ومن المتوقع أيضا أن يعود اهتمام الولايات المتحدة بالمؤسسات الدولية كمنظمة التجارة العالمية ومنظمة الصحة العالمية ما سيدعم جهود هذه المؤسسات. أما بالنسبة للسياسات النقدية العالمية، فمن المتوقع استمرار بقاء معدلات الفائدة عند معدلات منخفضة في دول العالم المختلفة لبعض الوقت.
ستعود الولايات المتحدة إلى تبني سياسات مؤيدة للحفاظ على البيئة، وخصوصا سياسات التصدي للتغيرات المناخية العالمية والحد من انبعاثات الكربون، وهذا هو توجه الولايات المتحدة طويل الأجل. ويتوقع أيضا ازدياد محفزات دعم إنتاج الطاقة النظيفة أو المتجددة والحفاظ على البيئة في الولايات المتحدة، ما سيسرع التخلص من الوقود العضوي على الأمد الطويل، ولكن تأثيراته قصيرة ومتوسطة الأجل محدودة. وهذا يعني زيادة الضغوط على استهلاك الفحم الحجري والنفط ما سيحد من نمو الطلب العالمي عليهما في الأمد الطويل.
عموما سيؤثر التغير السياسي في الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي، لكن بشكل محدود بسبب التوازنات السياسية الأمريكية الداخلية، ولدور المؤسسات في تحديد أوليات السياسات العامة. ويتركز الاهتمام العالمي في الوقت الحالي على تطورات التصدي لجائحة كورونا، حيث سيقود نجاح تطوير لقاح كورونا إلى تأثيرات إيجابية أقوى بكثير من تأثير وصول سيد جديد للبيت الأبيض.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي