مجموعة العشرين وقضية التنمية
تشهد الرياض هذا الشهر حدثا دوليا مهما يعكس أهمية المملكة ومكانتها بين الدول. إنه لقاء قادة مجموعة العشرين G20 المجموعة الأكثر تأثيرا في شؤون العالم بأسره. ويتمثل مدى تأثير هذه المجموعة وإمكاناتها في أن عدد سكان أعضائها يصل إلى ثلثي "عدد سكان العالم، ومخرجاتها الاقتصادية تصل إلى 80 في المائة من مخرجات العالم، وحجم تجارتها العالمية يبلغ 75 في المائة من حجم تجارة العالم. تهتم المجموعة بصفة رئيسة بالتعاون في المجالات المالية والقضايا الاقتصادية والاجتماعية، وترتبط هذه المجالات والقضايا بشؤون التنمية في جوانبها المختلفة. غاية هذا المقال محاولة التعريف بالمجموعة، وإلقاء الضوء على جوانب التنمية المختلفة التي تهتم بها.
إذا نظرنا إلى تكوين المجموعة، نجد أن المملكة هي الدولة العربية الوحيدة في المجموعة. تضم المجموعة أيضا دول شمال أمريكا الثلاث: الولايات المتحدة، وكندا، والمكسيك، كما تضم أيضا دولتين من جنوب أمريكا هما: الأرجنتين والبرازيل، وست دول من آسيا هي: الصين، واليابان، وروسيا، والهند، وإندونيسيا، وكوريا الجنوبية، وأربع دول أوروبية هي: ألمانيا، وبريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وتركيا التي تقع جزئيا في أوروبا وجزئيا في آسيا وتسعى إلى الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي الذي يمثل باقي دول الاتحاد، كما تضم دولة إفريقية واحدة هي: جنوب إفريقيا، وتشمل أيضا أستراليا الدولة شبه القارة التي تقع جنوب المحيط الهادي.
بدأت المجموعة عقد لقاءات القمة بين قادتها في واشنطن في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2008. وعقدت على مدى عامي 2009 و2010، أي في بداياتها، أربعة لقاءات قمة في كل من بريطانيا، والولايات المتحدة، وكندا، وكوريا الجنوبية على الترتيب. وكانت لقاءات القمة بعد ذلك، وابتداء من عام 2011 حتى الآن، سنوية، حيث تم عقد هذه اللقاءات في كل من فرنسا، والمكسيك، وروسيا، وأستراليا، وتركيا، والصين، وألمانيا، والأرجنتين، واليابان، وصولا هذا العام إلى السعودية. وفي إطار إلقاء الضوء على اهتمام مجموعة العشرين بالتنمية على مستوى العالم، سنطرح فيما يلي ثلاثة أمور رئيسة ترتبط بنشاطات المجموعة. أول هذه الأمور: التعريف بمجموعات التواصل Engagement Groups الثماني التابعة للمجموعة والمفعلة للحوار والتعاون في نشاطات مختصة في مجالات تنموية مختلفة. أما الأمر الثاني فيتمثل في تقديم الجهات الدولية المؤثرة التي تستضيفها لقاءات القمة عادة من أجل تعزيز التعاون والشراكة في خطط المجموعة وتوجهاتها التنموية. ويتعلق الأمر الثالث بعد ذلك بالمنظمات الإقليمية المعنية بالتنمية التي تستضيفها قمة الرياض بشكل خاص من أجل توسيع دائرة التعاون والسعي إلى تعزيز التنمية في مختلف دول العالم الأخرى.
نبدأ بمجموعات التواصل الثماني لنجد أن لكل منها مجالا تنمويا خاصا بها. هناك مجموعة الأعمال B20 المهتمة بالحوار والتعاون في مجالات الأعمال المختلفة. وهناك مجموعة الشباب Y20 الخاصة بشؤون الشباب ومستقبلهم. ثم هناك مجموعة العمال L20 المختصة بقضايا العمال وحقوقهم ودورهم التنموي. ومجموعة الفكر T20 المنفتحة على مراكز التفكير Think Tanks في مختلف أنحاء العالم. ومجموعة المجتمع المدني C20 المهتمة بنشاطات الجهات غير الحكومية. ومجموعة المرأة W20 المرتبطة بقضايا المرأة وحقوقها. ومجموعة العلوم S20 التي تركز على الشؤون العلمية المختلفة وآفاقها المستقبلية. وهناك أخيرا مجموعة المجتمع الحضري U20 المختصة بشؤون المدن، حيث التجمعات السكانية الكبرى. ولجميع هذه المجموعات دور في تقديم توصيات سنوية إلى القادة بشأن التنمية، في مجالاتها، على مستوى العالم بأسره.
وننتقل إلى الجهات الدولية المؤثرة في مختلف المجالات التنموية التي تستضاف عادة في لقاءات قمة العشرين. تشمل هذه الجهات كلا من: منظمة الأمم المتحدة UN، ومجموعة البنك الدولي WBG، وصندوق النقد الدولي IMF، ومنظمة العمل الدولية ILO، ومنظمة الصحة الدولية WHO، ومنظمة الأغذية والزراعة FAOP، ومنظمة التجارة الدولية WTO، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، ولكل من هذه المنظمات دور في مسألة التنمية على مستوى العالم في إطار طبيعة التخصص الذي تعمل فيه. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الاستضافة في لقاءات قمة العشرين تشمل أيضا دولا من غير الأعضاء في مجموعة العشرين. فإسبانيا الدولة الأوروبية الكبيرة ضيف دائم على لقاءات القمة. وفي قمة الرياض هناك دعوات للحضور تم توجيهها إلى كل من الأردن، وسنغافورة، وسويسرا.
ونصل إلى المنظمات الإقليمية المهتمة بالتنمية التي حرصت قمة الرياض على استضافتها من أجل توسيع دائرة التعاون في شؤون التنمية لتشمل مختلف مناطق ودول العالم الأخرى. شملت هذه المنظمات: صندوق النقد العربي AMF، والبنك الإسلامي للتنمية IDB، ودولة فيتنام التي تتولى حاليا رئاسة رابطة أمم جنوب شرق آسيا ASEAN، وجنوب إفريقيا ليس بصفتها عضوا في مجموعة العشرين بل لأنها تتولى حاليا رئاسة الاتحاد الإفريقي AU، والإمارات التي تتولى حاليا رئاسة مجلس التعاون الخليجي GCC، ورواندا التي تتولى حاليا رئاسة الشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا NEPAD.
وهكذا نجد أن قمة مجموعة العشرين في الرياض تجمع في جلسات مختلفة إلى جانب جلسات قادة المجموعة، مختصين في مجالات مجموعات التواصل، ومسؤولين في منظمات دولية مختصة، وآخرين يمثلون منظمات إقليمية أخرى تتمتع بدور مهم في تنمية مناطقها المختلفة. والأمل كبير أن تكون قمة الرياض قمة متميزة في عطائها المستقبلي على كل من المستوى الوطني وعلى امتداد العالم بأسره.
حاول هذا المقال التعريف بمجموعة العشرين، ولقاء قادتها في الرياض، وسعى إلى إلقاء الضوء على جوانب التنمية المختلفة التي تهتم بها، لكنه لا يدعي أبدا أنه أحاط بمختلف جوانب ونشاطات مجموعة العشرين، فالموضوع واسع ومتشعب ويحتاج إلى مقالات عدة، وربما إلى كتاب يرصد ما جرى ويجري من نشاطات تنموية مختلفة تقوم بها المجموعة، ويطرح آفاق المستقبل بشأنها، خصوصا أننا على أبواب عصر جديد تدفعه إلى الأمام تقنية متجددة، تحفز التنافس، وتتطلب التعاون، نحو خدمة الإنسان أينما كان.