بشر بلا أدمغة
ما نعنيه هنا الفقدان المادي للدماغ وليس المعنوي، لأن هناك بشرا لديهم أدمغة حيوية متكاملة لكنهم يعيشون دونها ويعانون الغباء واللامبالاة والسطحية. ولكن هل خطر في بالك يوما أن ترى إنسانا يفتقد تلك الكتلة العجيبة التي لا يتجاوز وزنها كيلو ونصف الكيلو في الشخص العادي، وتعد الدينامو المحرك لكل تصرفات وأفكار وحركات وسكنات وحديث وتوازن البشر وتميزهم عن باقي المخلوقات، ومع ذلك يعيش بشكل طبيعي؟!
لقد تعلمنا طوال عمرنا في المدارس والجامعات وأخبرونا أن وجود الدماغ حتمي، وأن فقدانك أحد أجزائه أو تلفه يسبب لك إعاقة في أنشطتك البدنية والعقلية، ومع ذلك توجد حالات يكون فيها الدماغ معدوما أو موجودا جزءا منه ومع ذلك عاشوا بلا إعاقات، بل بمستويات ذكاء عالية!
من أشهر تلك الحالات، ما نشرته مجلة "العلم" عام 1980 عن زيارة أحد طلاب جامعة شيفيلد في بريطانيا عام 1979 وعمره 26 لطبيب الجامعة لإصابته بالزكام. إلا أن الطبيب لاحظ أن حجم رأس الطالب - الذي كان متفوقا في دراسته وحائزا جائزة شرف في الرياضيات - كان أكبر من المعدل الطبيعي، فقام بتحويله إلى الدكتور جون لوبر، الذي كان أحد أهم جراحي الأعصاب في مستشفى شيفيلد للأعصاب.
وهناك اكتشف الطبيب المفاجأة المذهلة، فهذا الطالب الذي تزيد نسبة ذكائه على 126 IQ لا يحمل أي علامات على اختلال عقلي، وبعد خضوعه للفحص بجهاز الطبقي المحوري تبين أن رأسه يفتقد الدماغ!
وبدلا من ذلك كان مليئا بالسوائل وتوجد كتلة نخاعية صغيرة تبلغ سماكتها عدة ملليمترات بدلا من عدة سنتيمترات في الحالة الطبيعية!
وفينس جيج، الذي اخترق عمود جمجمته ودمر الفص الجبهي تماما، ومع ذلك نهض جيج من سقطته ووقف وتحدث ولم يتنبه أنه أصيب إلا من بركة الدماء حوله. لقد فقد البصر في إحدى عينيه لكنه عاش بصحة مع وجود ذلك الثقب العميق في جمجمته الذي أهله للعمل في السيرك ليشاهد الناس رأسه المثقوب، ولا تزال جمجمته معروضه للدراسة!
أما الشابة الصينية التي تبلغ من العمر 24 عاما، فقد اكتشف الأطباء في أثناء زيارتها الطبيب شعورها بالغثيان أنها ولدت دون المخيخ، وهو الجزء المسؤول عن التوازن والمشي والكلام، ومع ذلك فقد عاشت حياتها بشكل طبيعي!
فهل فعلا يستطيع البشر العيش بلا دماغ؟!
يقول الحق - سبحانه وتعالى -: "أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور".