رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الهند العصية على التنظيمات الإرهابية

لزمن طويل كان كثيرون يسخرون من مقولة وجود متطرفين ضمن الأقلية المسلمة في المجتمع الهندي على اعتبار أنه مجتمع نشأ وتطور على التسامح بفضل علمانية وديمقراطية البلاد معطوفا على نموذجها الفيدرالي الذي يسمح للأقليات بإدارة شؤونهم الداخلية باستقلال عن الحكومة الاتحادية في نيودلهي عدا الشؤون الخارجية والدفاعية. لكن يبدو اليوم جليا أن هناك محاولات حثيثة لتغيير هذا الأمر. ففي الآونة الأخيرة، وبتأثير من أفكار الجماعات الإرهابية المتطرفة من تلك المتسربة من الدول المجاورة للهند، ولا سيما باكستان وبنجلادش وأفغانستان، ظهرت مجموعات إرهابية متطرفة هندية، وباتت تقلق الحكومة الهندية لجهة ضرب السلم الأهلي والاستقرار الداخلي والازدهار الاقتصادي. ففي مايو من العام المنصرم نشر تنظيم "داعش" في ولاية خراسان الأفغانية بيانا يتحمل فيه مسؤولية 11 عملية إرهابية، ثلاث منها نفذت بأيدي متطرفين تم تجنيدهم من ولاية كيرالا الجنوبية الهندية. ولم يمض وقت طويل إلا وظهر على سطح الأحداث اسم داعشي من كيرالا هو محمد أنيس الملقب بأبي خالد كأحد الهنود المتورطين في الأعمال الإرهابية في كابول. أما في فبراير من العام الجاري فقد بدأ تنظيم داعش الإرهابي بإصدار نشرة دعائية شهرية بلغة الأوردو تحت اسم "صوت الهند" مخصصة لتناول الشأن الهندي.
وفي تطور آخر وزعت الحركة الإرهابية فيديو صوتيا بلغة الملايالام المستخدمة في ولاية كيرالا، وفيه تحدث المدعو سلطان عزيز عزام بلغة تحريضية ضد الدولة الهندية وهنود الولايات الشمالية ذات الأغلبية الهندوسية. وقد فسرت السلطات الهندية ذلك بمحاولة شريرة للوقيعة والانقسام بين أطياف الشعب الهندي وبما يسمح لدواعش أفغانستان وباكستان بتجنيد مزيد من الأعضاء للعمل كمقاتلين ميليشياويين وعمل استقطابات فئوية وطائفية داخل المجتمع الهندي المتصالح.
وهذا صحيح، فمن خلال الإعلان عن مشاركة مقاتلين هنود في هجمات ميليشياوية في أفغانستان، تحاول الحركة الإرهابية تبديد النظرية القائلة: إن المسلمين الهنود لا يمكنهم الاستسلام للتطرف والغلو أو الانضمام لحركة الإرهاب العالمية. وفي هذا السياق نشر الكاتب الهندي عبدالباسط زميل كلية راجستان للدراسات الدولية مقالا في الصحافة الهندية قال فيه: إن الهند لطالما شكلت لغزا محيرا للجماعات الإرهابية الراديكالية، بمعنى أنه رغم كل ما استثمرته من أموال ودعايات ووسائل تواصل حديثة لم تتمكن من تجنيد سوى 200 هندي في صفوفها من أصل 40 ألف عنصر نجحت في تجنيدهم أو نيل دعمهم أو غسل أدمغتهم من 120 دولة حول العالم. ويمضي الكاتب شارحا أسباب فشل "داعش" وأخواتها في تجنيد الهنود المسلمين بالقول: إن الهند تميزت بكونها المكان الذي شهد ميلاد كل الديانات غير السماوية والأرض التي احتضنت حضارتين من أقدم الحضارات البشرية، وبالتالي أعطت هذه العوامل لروح الإسلام الهندي خصائص فريدة مثل التعددية والتسامح مع الآخر ورفض الإقصاء والبرجماتية السياسية، وقد ترسخ كل هذا من خلال النموذج السياسي الذي قامت عليه الهند المستقلة، الأمر الذي شكل رادعا تلقائيا في إبعاد الشباب الهندي عن اعتناق الأفكار الراديكالية عموما. وهكذا فشلت التنظيمات الإرهابية العالمية كالقاعدة وداعش وطالبان وغيرها في إيجاد أرضية صلبة لها داخل الهند، بل ظلت فروعها في جنوب آسيا متخبطة في مشاريعها العدوانية وأعمالها الدعائية. ويعتقد أن من العوامل الأخرى التي منعت انضمام مزيد من مسلمي الهند إلى العدد المتواضع من الهنود الذين انضموا إلى "القاعدة" و"داعش" في العراق وسورية هو الأخبار التي انتشرت حول قيام التنظيمين بالتمييز ضدهم وتشغيلهم في أعمال وضيعة مثل تنظيف المراحيض وجمع القمامة.
في الفترة الأخيرة ظهرت مقالات وتحليلات في الصحافة الهندية تحذر من احتمال استغلال التنظيمات الإرهابية في جنوب آسيا لما يجري في الهند من تطورات لإيغار صدور المسلمين الهنود من أجل استغلالهم في مشاريعها القذرة. والإشارة هنا - بطبيعة الحال - إلى التصدع الطائفي الراهن في المجتمع الهندي على خلفية إلغاء نيودلهي للوضع السياسي شبه المستقل لولاية جامو وكشمير، وقرار المحكمة الفيدرالية الهندية بالسماح للهندوس ببناء معبد الإله رام في موقع المسجد البابري المهدم، علاوة على قرار السلطات منع الصلوات في الجوامع تفاديا لانتشار جائحة كوفيد ـ 19، وهو ما فسره السذج على أنه عمل يستهدف عبادات المسلمين حصريا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي