رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


جائحة كورونا وبجعة نسيم طالب

أصدر الدكتور نسيم نقولا طالب، وهو فيلسوف ومفكر أمريكي من أصل لبناني، كتابه الشهير "البجعة السوداء" في عام 2007، حيث اقترح نظريته المسماة البجعة السوداء. وتقوم هذه النظرية على أن أواسط المجتمع الأوروبي عاشت في القرن الـ 17 على فكرة أن كل البجع طائر من اللون الأبيض، ولا يوجد بجع أسود، إذ يعد ذلك من الحالات النادرة أو المفاجئة التي لا تخطر على البال. لكن اكتشف بجع أسود في أستراليا الغربية وفوجئ بها الأوروبيون، حيث ينظر إليها آنذاك على أنها ظاهرة غير متوقعة، بل مستحيلة الحدوث. إن أغلب - إن لم يكن كل الأوروبيين - لم يسبق أن رأوا بجعا أسود، ولذلك اعتقدوا بعدم وجوده، لكنه موجود في حقيقة الأمر، وكانت المفاجأة لهم عندما علموا بوجوده. بل إن البعض أنكر ذلك في البداية لأن عقولهم ترى بجعا أبيض فقط. وعليه، استنتج نسيم طالب نظريته من ظاهرة البجع الأسود في أوروبا التي تشير إلى صعوبة التنبؤ بالأحداث المفاجئة ذات التأثير الكبير. وطبق نظريته على الأحداث التاريخية، سواء الاقتصادية أو العلمية أو غيرهما، التي لم يكن من الممكن التنبؤ بها، وأن احتمال حدوثها نادر بالنسبة لنا. لقد أوضح نسيم طالب في كتابه بعض الأمثلة، على أساس أنها عشوائية وغير متوقعة أو بجعات سوداء، مثل الاكتشافات العلمية الكبرى والأحداث التاريخية والإنجازات الفنية. وأورد أمثلة تاريخية سابقة على أحداث البجعة السوداء، مثل ثورة شبكة الإنترنت، والحرب العالمية الأولى، والحاسب الشخصي، وهجمات 11 أيلول (سبتمبر)، وتفكك الاتحاد السوفياتي. عمل نسيم طالب 21 عاما في "وول ستريت"، قبل أن يستقر به المآل أستاذ هندسة المخاطر في جامعة نيويورك، وعرف عنه مقولته الشهيرة: "إن مجرد مشاهدة بجعة سوداء واحدة كفيل بالإطاحة بمصداقية مفهوم شائع عن أعوام عديدة لملايين من البجع الأبيض".
يعد مفهوم البجعة السوداء أحد أعمدة إدارة المخاطر سواء صناعة التأمين أو الخدمات البنكية والمصرفية أو سوق الأسهم لأنه يعبر عن حدث انحرف عن مساره المتعارف عليه ويكون في الأغلب غير متوقع. وبناء على معايير نسيم طالب، يعد الحدث بجعة سوداء إذا كان مفاجأة وله تأثير كبير جدا. لكن اختلط على البعض مفهوم البجعة السوداء مع أحداث أخرى يغيب عنها عنصر المفاجأة أو لها تأثير بسيط أو ليست شديدة الأهمية، وكلها يسهل التعامل معها كأنها بجع أبيض. بمعنى آخر لا يعد الحدث بجعة سوداء إلا إذا كان مفاجأة لا تخطر على البال وذا تأثير كبير جدا. إذن كيف ترى بجعة نسيم طالب جائحة كورونا التي نعيش أيامها حاليا؟ إن جائحة كورونا ليست مفاجأة لكنها ذات تأثير شديد جدا، ولذلك فإن هذا الحدث لا يعد بجعة سوداء ولا بيضاء، وبالإمكان إطلاق بجعة ذات لون بني أو أي لون آخر. لقد علمنا بالجائحة منذ العام الماضي عندما انتشرت في الصين ولم يكن وقوعها مفاجأة بيننا، ثم استطعنا مجازا تقدير تأثير الجائحة المهول منذ آذار (مارس) 2020، وما زلنا نكتشف تداعيات هذه الجائحة حتى كتابة هذه السطور. إن حجم التأثير العظيم في النظام الاقتصادي والمجتمعي من جائحة كورونا هو الذي أصاب سكان العالم بالمفاجأة والذهول. وعليه، نستطيع أن نعد جائحة كورونا بجعة بنية اللون ذات حدث معروف وشديد الأهمية بيد أن تأثيره سيكون مفاجأة حتى وقوعه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي