رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


لجان المراجعة .. نحو جمعية مهنية مستقلة

تم ابتكار نموذج لجان المراجعة كأهم لجان مجلس الإدارة، من أجل دعم استقلال المراجع الخارجي ابتداء، حيث يمكن للمراجع التواصل مع اللجنة فورا عند مواجهة مشكلات مع الإدارة التنفيذية، خاصة في مسألة نطاق أعمال المراجعة. فالمشكلة الأساس في مهنة المراجعة الخارجية هي الاستقلال، وهي مشكلة موضوعية كبرى لم تحل تماما حتى الآن رغم حجم التنظير الذي يدور حولها، فالشركة التي يتم إعداد القوائم المالية عنها هي من تدفع للمراجع الخارجي أتعابه. لهذا، فإن المراجع الخارجي يعتمد في بقائه واستمراريته ومعيشته، بل زرقه ودخل أسرته، على هذه الموارد التي تتحقق له من مراجعة القوائم المالية للشركات. هذه الاعتمادية، التي تمس الحياة نفسها، تجعل خسارة العميل أمرا شديد الإرهاق على المراجع الخارجي، وشهدنا في السوق السعودية مراجعا خارجيا أصر على المهنية والتقرير المهني، فلم يعد قادرا بعدها على مراجعة الشركات المساهمة، فكان ثمن المهنية كبيرا جدا. ولهذا، فإن قلق المراجع من التمسك بالمهنية قد يأخذه بعيدا عن السوق ويصبح فعليا بلا عمل ودخل جيد. كان المنظرون لهذه المهنية يدعون أن الاستقلال المادي للمراجع يأتي أساسا من الجمعية العمومية التي تعتمد تعيينه، لكن الواقع أثبت أن الترشيح والدعوات تتم من خلال الإدارة التنفيذية، وكان لا بد من وضع عين رقيبة على الإدارة التنفيذية من قبل مجلس الإدارة، فكان على لجنة المراجعة أن تمارس دورا حيويا في اختيار المراجع وترشيحه حتى عزله بعيدا عن الرئيس التنفيذي للمؤسسة.
لم يكن هناك نجاح كبير لهذا النموذج خلال فترة ثمانينيات القرن الماضي حتى مع ظهور لجان مثل COSO أو غيرها ممن عملت على تطوير حوكمة الشركات فيما بعد، ذلك أن الانهيارات الكبيرة في بدايات القرن أثبتت بشكل لا يقبل الشك عدم فاعلية هذه اللجان، وانطلقت الأبحاث من شرق الأرض وغربها لفهم ذلك. فالحقيقة: إن هذه اللجان موجودة شكلا لا مضمونا، ومع ذلك ظل السبب مجهولا، ومن يعمل على أبحاث ودراسات الحوكمة ولجان المراجعة، يجد جبلا من الأبحاث والأوراق العلمية والمؤتمرات لفهم صفات ومزايا لجنة المراجعة وأعضاء اللجنة، وهل لذلك علاقة بأداء الشركة أو إدارة الأرباح والتلاعب بها وبأي شكل أو صورة. ومع الأسف: النتائج مخيبة ومتضاربة، والأدلة العلمية في أفضل حال تعد ضعيفة، وتعتمد أساسا على نوعية البيانات التي ظلت حتى الآن مشكلة جنبا إلى جنب مشكلة ضعف المنهج العلمي في دراسات هذا التخصص، ولا يوجد حتى الآن عمل ثوري حقيقي لتغيير المنهجية العلمية، بل إن كثيرا من العاملين في أبحاث هذا التخصص بدأوا فعلا بمغادرته يأسا من حدوث تغيير ملموس. لقد ظلت الادعاءات أن وجود مستقلين في المجلس ولجان المراجعة سيحقق الدعم المطلوب، مع ضرورة وجود خبير مالي ومحاسبي ضمن التشكيل، لكن - كما أشرت - فإن النتائج دائما مخيبة، ويكفي ما حدث في الأزمة المالية العالمية من انهيارات، وما حدث حتى في السوق السعودية، حتى وقت قريب، من مشكلات تتعلق بالبيانات المالية والرقابة عموما.
كان الهدف من لجان المراجعة هو حماية المراجع الخارجي من الضغوط المالية عليه والتهديد بإنهاء العقد، لكن لجان المراجعة "كما هو واضح في تاريخها المرصود مهنيا وإعلاميا" فشلت في تلك المهمة، وأعتقد شخصيا وبعد أعوام طويلة من العمل في هذا التخصص، أن لجان المراجعة وقعت فيما حاولت تحرير المراجع الخارجي منه، وقعت في فخ القلق على المزايا المالية وغير المالية بسبب إنهاء العضوية، ذلك أن كثيرا من الجهات والهيئات، ومن أجل السيطرة على لجان المراجعة، تبالغ في مكافآت هذه اللجان، وبعضها يتجاوز مئات الآلاف حتى تنافس المهنيين في مهنة المراجعة نفسها، للفوز بعضوية هذه اللجان، ومن الأعضاء من يرى الموارد المالية من العضوية جزءا أساسيا من الدخل الشخصي. ولهذا، فإن التنافس أصبح محموما للعمل في هذه اللجان، في الوقت الذي كان يجب أن يكون العكس، وهناك من يعمل في عدة شركات وهيئات في وقت واحد حتى أصبح عددها أكثر من سني عمره المهني. لذا، فإن حماية المراجع الداخلي أو الخارجي أصبح عملا ثانويا، وأصبح المهم هو إرضاء الرئيس، خاصة إذا كان بين الرئيس والمراجع الداخلي أو الخارجي قضية مهنية بحتة، بل وصل ببعضهم الحال أن تصبح اللجان مجرد وسيط بين المراجع الخارجي أو الداخلي وبين الإدارة التنفيذية. لذلك، فإن لجان المراجعة تحتاج إلى شجاعة مهنية كبرى كي تتجاوز أزمتها هذه، وأرى أن الحل يكمن في إنشاء هيئة مهنية مستقلة لأعضاء لجان المراجعة، وتقوم هذه الهيئة المهنية أو هذه الجمعية المهنية، بمراقبة أداء هذه اللجان والأعضاء، ويكون لهم معايير عمل وقواعد للسلوك، وأيضا عقوبات مهنية تصل إلى الشطب من عضوية اللجان، ويجب أن تجد هذه الجمعية المهنية دعما من قبل هيئة السوق المالية، فلا يتم قبول عضوية في لجنة مراجعة لأي شركة ما لم تكن هناك عضوية في هذه الجمعية، وتعمل الجمعية على إصلاح عمل اللجان ومعاييرها الأخلاقية، وتقبل الشكاوى التي ترفع ضد هذه اللجان من قبل المراجعين الداخليين خصوصا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي