«رهن التحقيق» .. مسلسل بوليسي سعودي بإشراف هوليوودي
مستندا إلى نظرية يزيد عمرها على 500 عام، وبحبكة بوليسية معقدة ومتشعبة، تمكن المسلسل السعودي الجديد "رهن التحقيق" من انتزاع مكانة متميزة في الأعمال الدرامية، مبرهنا على قدرة الممثل على فرض نجاحه. فالمسلسل، الذي يغوص في عالم الجريمة، اعتمد صناعه على رأي نيكولو مكيافيلي المفكر والسياسي الإيطالي "الغاية تبرر الوسيلة"، الذي قاله قبل خمسة قرون، وأشغل الفلاسفة والكتاب أجيالا من بعده، في تحليل أسس هذه النظرية ومبادئها.
محققة تستجوب محققا
يدور مسلسل "رهن التحقيق" حول قصة غير معتادة، إذ يتناول في كل حلقة من حلقاته العشر جريمة جديدة، وهي جرائم قتل يرويها تركي المحقق الشاب من منظوره، بعد أن حقق فيها بنفسه في الماضي، وكشف خباياها وملابساتها، فيما يجمع المسلسل في سرد الأحداث بين الشخصيات الحقيقية للممثلين وبين نظرائهم من الشخصيات الكرتونية "الأنيميشن".
الأداء الاحترافي هو العمود الفقري للمسلسل، إذ يؤدي الفنان فيصل الدوخي دور المحقق تركي، فيما تؤدي الفنانة ريم الحبيب دور المحققة سارة، والمكلفة من قبل قسم الشؤون الداخلية للشرطة بمهمة التحقيق مع تركي، للاشتباه في استخدامه أساليب غير قانونية في حل قضاياه، على الرغم من شهرته الكبيرة في قسم الجنايات والاحترام الكبير الذي يحظى به بين زملائه وقادته، ليجد تركي نفسه هذ المرة رهن التحقيق.
هكذا يضطر تركي للجلوس إلى طاولة التحقيق كمتهم لا كمحقق، متخليا عن كبريائه وواضعا غروره جانبا، فيما يحاول إيجاد المبررات القانونية والأخلاقية لسلوكياته وتصرفاته في كل قضية من القضايا التي نجح في كشف خباياها في الماضي، وفي خضم دفاعه عن نفسه وسرده تفاصيل القضايا وكشف مفاتيح حلها، يحاول تركي استغلال ذكائه وخبرته وأساليبه في التحقيق للدخول إلى عقل المحققة الصارمة سارة، بهدف كسب تعاطفها وتأييدها له، وبالتالي الخروج من الورطة التي وجد نفسه فيها.
المسلسل من إخراج علي العطاس، وتأليف الكاتبتين نورا أبو شوشة وسارة الغبرة، وإشراف درامي على النص للكاتبة والمنتجة الهوليوودية جيل جولدسميث.
ممثلان اثنان
بعيدا عن حرق أحداث الحلقات الأخيرة من المسلسل، التي تنتهي اليوم، فإن العمل يروي عطش محبي المسلسلات البوليسية، كونه يناقش حل القضايا وتشابك الأحداث والألغاز، في مزيج من الأنيميشن وجلسات التحقيق الحقيقية، بين سارة وتركي.
وربما من الغريب أن يؤدي مسلسلا ممثلان اثنان فقط، إلا أن الفكرة تقوم على استخدام رسوم الكوميك في تصوير قصة الجريمة، ما يضيف عنصر التشويق إلى العمل ويحفز خيال المشاهد، في حين تفضي المواجهة المحتدمة بين المحقق تركي والمحققة سارة إلى مزيد من التشويق.
وفي حديث لـ"الاقتصادية" يقول الفنان فيصل الدوخي "إن قرار استخدام "الأنيميشن" كان بسبب ظروف جائحة كورونا، وكان من الصعب تنفيذ كل المشاهد الحية في فترة الحظر، لكنها تجربة جديدة، وأسلوب طرح جديد، والجمهور الكبير للأنيميشن سيعجبهم العمل كما هو، ولو أنني كمشاهد أعتقد أنه لو كان تصويرا حيا لكان أجمل".
ويقيم الدوخي التجربة بأنها "جميلة جدا ومخيفة في الوقت نفسه"، ولا سيما أن "رهن التحقيق" قائم على موقع رئيس واحد، وعلى ممثلين اثنين فقط، إلا أنها كانت تجربة مذهلة بالنسبة إلي، وواثق بأنها أضافت إلي على المستويين الفني والشخصي".
الغاية .. هل تبرر الوسيلة؟
لا تتوقف المتعة على الحوارات الثرية بين المحققين، فالمسلسل يتضمن مشاهد وتفاصيل كثيرة بحاجة إلى التحليل من أكثر من زاوية، إلا أن أهم دعائم المسلسل تكمن في التمثيل الاحترافي للفنانين فيصل الدوخي وريم الحبيب، اللذين ظهرت بينهما الكيمياء المناسبة.
يستند المسلسل إلى نظرية "الغاية تبرر الوسيلة"، التي يتبعها المحقق في التوصل إلى الحقيقة، مستخدما أساليب ملتوية، والحيل التي قد يعدها البعض تلاعبا، لكن ريم الحبيب بطلة العمل تقول في حوار مع "الاقتصادية" "إنها مقتنعة بتلك النظرية على المستوى الشخصي"، وإن أبدت عكس ذلك في العمل الدرامي.
ويدافع فيصل الدوخي عن شخصية المحقق تركي بأن الأخير يؤمن بأن غايته في حل القضايا أسمى من تعقيدها بإجراءات وأنظمة، أما المحققة سارة فكانت ترى العكس، ولكل منهما وجهة نظر، والقرار للجمهور الذي يختار الرأي المتوافق مع قناعاته.
وكشف أن العمل الذي تم تصويره في مدينة جدة، واستغرق نحو 20 يوما مع تحضيراته، حظي بردود فعل جميلة، خاصة من المهتمين بقصص الجريمة، وحتى ممن يعمل في مجال التحقيقات، وأكثر ما كان يذهل هذه الفئة ارتباط القضايا بقصص من واقعنا المحلي.
ذكاء لا خطأ
وحول التشابه بين شخصيتي المحققة سارة من حيث الصرامة والثقة بالنفس، تضحك ريم الحبيب قائلة "إنهما صفتان تتميز بهما شخصيا"، وفي المقابل، ترى أن المحقق حينما يستخدم الحيلة من أجل الوصول إلى الحقيقة ذكاء منه، لا خطأ.
ووصفت الحبيب عملها الجديد "رهن التحقيق" بالمسلسل الذكي جدا، ومغامرة جديدة من نوعها، وتجربة جديدة سواء من ناحية الكتابة أو الأداء، وكذلك التوجه الإخراجي والإنتاجي، وهو الأمر الذي جعلها راضية عنه.
أما عن العودة إلى كاتبة ومنتجة هوليوودية في المسلسل، فأكدت أن ذلك كان من أجل بعض النواحي الإجرامية، بحكم خبرة هوليوود في إنتاج المسلسلات البوليسية، والحبكة الدرامية الإجرامية، وهي لمسة إضافية إلى العمل، لكن العمل نجح بكادره السعودي في المقام الأول.
تمكين المرأة
تصف الكاتبة نورا أبوشوشة المسلسل بأنه وليد أزمة كورونا، مضيفة "قبل الأزمة كنا نعتزم التصوير في عدة مواقع خارجية وداخلية، لكننا اضطررنا إلى تحويل العمل إلى مزيج من الأنيميشن والواقع ضمن مشاهد جرى تصويرها في موقع واحد أساسي، وبذلك قدمنا عملا استثنائيا يتلاءم مع المعطيات التي فرضتها علينا الظروف الاستثنائية".
وحول رسم الشخصيات، توضح الكاتبة سارة الغبرة "سعينا إلى تقديم شخصية المحقق بعيدا عن الصورة النمطية المعتادة لتلك الشخصية"، وأضافت سارة "رسمنا شخصية تركي بعد كثير من البحث والدراسات، أما شخصية المفتشة القوية والصارمة سارة، فكان بناؤها ممتعا ويعكس حالة التمكين والدعم الذي تحظى به المرأة في المملكة العربية السعودية حاليا".
أما مخرج المسسل علي العطاس، فقال في بيان صحافي "إنه يأمل أن يتمكن من ترك بصمة في مسلسل "رهن التحقيق"، عادّا "الحياة قصيرة أما الفن فيدوم"، فيما وصفت جيل جولدسميث الكاتبة والمنتجة العالمية المسلسل بـ"المشوق"، وتضيف "يروي المسلسل عددا من القصص البوليسية الشيقة التي شدتني لكونها تنتمي إلى دولة وثقافة أخرى، أبهرتني طريقة صياغة القصص وتفاصيلها، وأعتقد أن وجود شخصية أنثوية في دور رئيس قوي كدور المحققة يفتح الباب أمام نماذج وأدوار جديدة، ومواضيع غير مطروقة في الدراما العربية".