طارق عبدالحكيم .. عميد الفن السعودي المسافر بألحانه شرقا وغربا

طارق عبدالحكيم .. عميد الفن السعودي المسافر بألحانه شرقا وغربا
لمسات الراحل الموسيقية في الجانب الفلكلوري الوطني امتد اثرها عربيا وعالميا.
طارق عبدالحكيم .. عميد الفن السعودي المسافر بألحانه شرقا وغربا
شغوف باقتناء التراث وتقديمه.
طارق عبدالحكيم .. عميد الفن السعودي المسافر بألحانه شرقا وغربا
في رصيد الراحل طارق جوائز وأوسمة منها جائزة الدولة التقديرية.
طارق عبدالحكيم .. عميد الفن السعودي المسافر بألحانه شرقا وغربا
وزير الثقافة بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود.

ليس غريبا أن يتحول الفنان الراحل طارق عبدالحكيم إلى أيقونة موسيقية سعودية، وأن تترسخ حياته وإنجازاته في متحف تحتضنه جدة في قلبها، كعميد للموسيقيين السعوديين، للحفاظ على إرثه وإرث الموسيقى الوطنية.
فهذا الـ"طارق"، الهادئ في مشيته، ذو القلب مرهف المشاعر، سافر بألحانه شرقا وغربا، حتى رسخ اللحن السعودي هناك إلى الأبد، في حين استوطنت لمساته الفنية ذاكرة السعوديين، كونها ارتبطت بتطوير وتوزيع النشيد الوطني، مكللا مسيرته بنجاح أغاني كبار الفنانين العرب، التي قدم لها اللحن العذب، فاختطفت أذن المستمعين.
أول من درس الموسيقى
طارق عبدالحكيم، المولود في عام 1920 في ضاحية المثناة في الطائف، كان أول سعودي يبتعث لدراسة موسيقى الفرقة العسكرية في مصر عام 1952، لمع نجمه منذ البدايات، فلم يكتف بقراءة النوتات الموسيقية، بل وتأليفها، وغنى له فنانون عرب، واستخدمت موسيقاه في الإذاعة المصرية، وحينما عاد إلى المملكة، رد الجميل بتأسيس مدرسة موسيقى الجيش السعودي، ودرب 14 فرقة لمسيرة عسكرية كاملة، توزعوا على مناطق المملكة.
كثيرون من محبيه لا يعرفون أنه رجل تحمل الصعاب وعانى منذ صغره، وطفولته لم تكن كأي طفولة طبيعية، فقد عاش الموسيقار عبدالحكيم مع أمه وأخته وأخيه، بعدما هاجر والده إلى العراق، وكأي أسرة فقدت عائلها، كافح طارق واضطر إلى أن يعمل بائعا للخضار وهو في سن التاسعة، إلى أن تلقى نصيحة من ضابط كان أحد زبائنه، بالانضمام إلى الجيش السعودي، وكانت تلك نقلة نوعية في حياته، تدرج في الرتب العسكرية إلى أن أصبح عميدا في سلاح المدفعية، فكانت مشيئة الله التي جعلت من بائع الخضار موزعا للنشيد الوطني السعودي، وعميدا عسكريا وفنيا في الوقت ذاته.
اقتنى طارق عوده الأول بعد مشقة، لندرة تلك الآلة وخوفه من والدته وخاله، فذلك المسار لم يكن معهودا طرقه في ذلك الوقت، لكن لم يمنعه شغفه من قدح زناد التحدي.
أما عن حياته في مصر، فقد كانت تلك فترة مهمة في مشواره الطويل، تمكن خلالها من صقل موهبته ولقاء كبار فناني مصر، ومنهم أم كلثوم، التي وصفها الموسيقار الراحل في أحد لقاءاته بأنها أسعد لحظات حياته، كما التقى الموسيقار محمد عبدالوهاب، نجاة الصغيرة، وفايزة أحمد، وسافر بألحانه إلى لبنان، مقدما إياها لوديع الصافي وسميرة توفيق، ونخبة من كبار نجوم الغناء هناك، ووصل عدد مؤدي ألحانه أكثر من مائة فنان وفنانة، في دول مختلفة من العالم شرقا وغربا.
المثقف الفريد
لم يغب ولن يغيب عن المشهد الثقافي، فعبدالحكيم كان مثقفا في الموسيقى والإرث الشعبي الوطني، كتب حول الألعاب والأساطير والأقوال، ويتداول المتخصصون حتى اليوم كتبا ألفها حول آلات الموسيقى وما حولها، بمجموع كتب تجاوز العشرة، وهي ثمرة خبرة عريقة تجاوزت 500 مؤلف موسيقي، منها موسيقى المارشات العسكرية وأكثر من مائة نشيد وأغنية وطنية، و36 نشيدا عن حرب الخليج، و17 أوبريتا دينيا، وعشر سيمفونيات، ونحو 11 مقطوعة موسيقية.
كان يؤمن الفنان الراحل بأهمية دعم الموسيقى من خلال الكيانات والجمعيات والمؤسسات العامة، فأسهم في تأسيس الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، وانتخب رئيسا لمجلس الموسيقى العربية عام 1983، وتولى منصب ممثل المملكة، ثم أعيد انتخابه عام 1987.
لم تكن مدرسة موسيقى الجيش هي المشروع الوحيد الذي أسسه الموسيقار حفظا للموسيقى السعودية، لاحقا في مراحل من مسيرته أسس المتحف الموسيقي العسكري، ثم متحف موسيقى الأمن العام، كما شكل فرقة وطنية لأداء الموسيقى في المناسبات الكبرى، وعمل مشرفا على موسيقى الإذاعة.
المسافر بألحانه
في ذاكرة مستمعي الموسيقى عشرات الأغاني من ألحانه، من بينها وأبرزها أغنية "يا ريم وادي ثقيف"، التي كتبها الأمير عبدالله الفيصل، وتغنى بها مطربون كبار على مدى نصف قرن، مثل طلال مداح، نجاح سلام، هيام يونس، ومحمد عمر، إلا أن الأغنية بصوت نجاح سلام سطعت، وكانت أول أغنية سعودية تبث في الإذاعة المصرية.
هذه الأغنية لها محبة من عشاق التراث الشعبي، كونها تضبط وقع الأرجل على الأرض، في الرقص الجماعي الشعبي، فيما نالت أغنية "لا وعينيك" شهرة كبيرة، بعد أن غناها وديع الصافي، وقال عنها "اكتب يا تاريخ أني أغني من ألحان غيري".
نجح مع صوت الأرض طلال مداح في عدد من الأغاني، مثل "عاش من شافك" و"لك عرش وسط العين"، ولحّن لنجاة الصغيرة "فين يا محبوبي فين" و"يا اللي في هواك هيمان"، وغنت فايزة أحمد له "أسمر عبر" التي تصدح في الإذاعات حتى اليوم، أما ألحانه لفنان العرب محمد عبده فأشهرها "لنا الله"، وكذلك أغنيتا "سكة التايهين" و"لا تناظرني بعين".
ومن الأغاني التي عمرت طويلا في الذاكرة، نوتاته لسميرة توفيق "أشقر وشعره دهب"، و"تعداني وما سلم" و"حبيبي ضمني ضما"، ومن سورية الراحل فهد بلان، الذي غنى له "أنا أنت" و"محبوب قلبي"، وعشرات الأغاني الشهيرة التي لا يتسع المقام لذكرها.
أمنيته الأخيرة
"طارق" أفضل ما أنجبته الموسيقى السعودية، يسجل التاريخ أنه أول فنان عربي والسادس عالميا الذي يحصل على جائزة اليونيسكو الدولية للموسيقى من المنظمة العالمية للمجلس الدولي للموسيقى، وذلك في عام 1981، وغنى لهيئة الأمم المتحدة في قاعة همرشولد في عام 1986.
في رصيده جوائز وأوسمة، منها جائزة الدولة التقديرية وهي ميدالية الاستحقاق من الدرجة الثانية، وحينما سئل في هذا الإطار حول ما لم يتحقق من أمانيه في مشواره الطويل، أجاب "كنت أتمنى أن أحصل على وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى"، لكن وزارة الثقافة حققت له متحفا يؤرخ اسمه إلى الأبد.
فالوزارة قررت أن تنشئ متحفا دائما باسم طارق عبدالحكيم في بيت المنوفي، في قلب جدة البلد، المسجلة في قائمة اليونيسكو للتراث العالمي، وسيرى النور في عام 2022، حيث يضم قسمين اثنين، الأول يضم معرضا لتاريخه من أرشيف وآلات موسيقية وبكرات تسجيلية وألبومات صور ومقتنيات، ومؤلفاته الموسيقية الوطنية وكذلك مؤلفاته مع الفنانين الآخرين، والثاني يحتوي مركزا للأبحاث الموسيقية، في خطوة تهدف إلى شكر هذا الرجل، الذي قدم خدمات جليلة لوطنه، واعترافا بإسهاماته الموسيقية.
وبحسب بيان الوزارة، فإنها تسعى إلى أن يكون متحف طارق عبدالحكيم منصة ملهمة وجامعة للأجيال الجديدة من المهتمين بالموسيقى السعودية، يستمدون منها التاريخ والمعرفة الموسيقية، ويعتمدون عليها في بحوثهم ومشاريعهم الإبداعية، فيما جاء اختيار الوزارة للفنان الراحل في سياق حرصها على الاحتفاء برواد الفن والثقافة في المملكة وتكريمهم، من خلال فعاليات نوعية تكشف لعموم الجمهور حجم الإسهامات المؤثرة التي قدمها هؤلاء الرواد في مسيرة الإبداع السعودي.
كان يوم 21 فبراير من 2012 حزينا على الموسيقى السعودية، حينما توفي الموسيقار طارق عبدالحكيم في مصر، بعد معاناة وصراع مع مرض السرطان، ودفن في القاهرة التي أحب، عملا بوصيته التي قال فيها بأن يدفن في المكان الذي ترحل روحه فيه.

الأكثر قراءة