كنوز «ست الدنيا» وآثارها ضحية أخرى لتفجير بيروت

كنوز «ست الدنيا» وآثارها ضحية أخرى لتفجير بيروت
ستذهب التبرعات كاملة لدعم المؤسسات والمساحات الثقافية والفنية المتضررة.
كنوز «ست الدنيا» وآثارها ضحية أخرى لتفجير بيروت
قصر سرسق صمد أمام عدة حروب وتضرر من انفجار المرفأ الأخير.

فصل حزين تعيشه "ست الدنيا"، كما سماها نزار قباني، إثر تفجير بيروت الأليم، الذي وقع في مرفأ المدينة وأودى بحياة 170 قتيلا، وآلاف الجرحى، بما يشبه تفجير قنبلة نووية تكتيكية، خلفت أضرارا هائلة، انعكست على حياة اللبنانيين، ودمرت بيوتهم، وأصابت كنوز لبنان وآثارها ومجتمعها الثقافي في مقتل.
صادف التفجير مراسم واحتفالات، تزامنت مع استقبال لبنان تماثيل أثرية اختفت من أرضه خلال الحرب الأهلية، ونامت في أحضان لصوص الآثار لعقود، لتعيد هذه الحادثة إلى الأذهان الدمار الثقافي الذي تعرضت له البلاد قبل 40 عاما.
خطر الانهيار
تكشف أرقام تقريبية لمديرية الآثار في وزارة الثقافة اللبنانية أن نحو 640 بيتا تراثيا ومبنى تاريخيا تضررت جراء تفجير بيروت، 80 بيتا منها تضررت بشكل كبير ومعرضة لخطر الانهيار، و520 بيتا تعرضت لأضرار طفيفة إلى متوسطة، بتكلفة إصلاحية تقريبية تبلغ 300 مليون دولار، فيما أشارت تقديرات غير رسمية إلى ضعف الرقم.
ويمتلك لبنان في رصيده تاريخا عريقا، أسس لوجود مئات المباني التاريخية، مثل البيوت والمواقع الدينية، إضافة إلى عشرات المتاحف والمعارض وقاعات الفنون، التي تعرضت لانهيار نوافذها وزخرفاتها، وتهشم واجهاتها، وتكسر الزجاج البلوري الملون الذي يزين سقوفها وجدرانها، وتطاير حجارتها، في دمار لم تشهده مدن العالم منذ عقود طويلة.
حماية لهذه الآثار، تحركت منظمة اليونيسكو، وفتحت صندوقا لجمع التبرعات لترميم البيوت الأثرية، التي قد تواجه خطر الانهيار بحلول فصل الشتاء، بعد التفجير الذي تعادل قوته زلزالا شدته 3.3 درجة على مقياس ريختر.
على الضفة المقابلة، وفي قطاع ذي صلة، مثل قطاع التعليم، أكدت المنظمة أنها ستتكفل بإعادة تأهيل المدارس المتضررة عقب التفجير، وستقدم مساعدة للقطاع التربوي، للنهوض مجددا والقيام بدوره العلمي والثقافي.
ويعد القطاع التربوي في بيروت أحد أشد القطاعات تضررا، إذ إن الانفجار ألحق دمارا جزئيا أو شاملا بنحو 70 مدرسة حكومية و50 مدرسة خاصة في العاصمة وضواحيها، وأفادت اليونيسكو بأن الدمار الذي لحق بالمرافق التعليمية يهدد بتعطيل العام الدراسي الجديد، وحرمان نحو 55 ألف طالب وطالبة من اللبنانيين وغير اللبنانيين من الحق في التعليم.
قصر سرسق
بعد أن قضى 160 عاما صامدا في وجه الحرب الأهلية، والحربين العالميتين، تعرض قصر سرسق التاريخي لدمار كبير، وهو أحد أهم المعالم التاريخية والثقافية في بيروت، وأصبح يعاني تصدع جدرانه جراء التفجير، بعد أن انهار جزء من أسقفه وجدرانه، كما تحطمت أبوابه الخشبية، ولم تبق فيه قطعة زجاج واحدة على حالها.
وكالات الأنباء العالمية سلطت الضوء على المعلم الأثري الذي بني في عام 1860 في قلب بيروت، وكان شاهدا على انهيار الإمبراطورية العثمانية، واحتاج إلى 20 عاما لإعادة ترميمه بعد الحرب التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990.
أصحاب المتحف، من عائلة سرسق، على مدى ثلاثة أجيال جمعوا تراثا في القصر المكون من ثلاثة طوابق، محتضنا نحو خمسة آلاف قطعة فنية، وتماثيل ومنحوتات، ومقتنيات ثمينة تعود إلى القرنين الـ18 والـ19، منها لوحات فنية جلبت من إيطاليا، وأثاث من العصر العثماني، وفنون من الشرق والغرب، أهلته لأن يدرج كموقع للتراث الثقافي.
المتحف كان فيما مضى من تاريخ لبنان قصرا يستقبل الملوك والرؤساء زوار البلاد، إلى أن وهبه مالكه الراحل قبل وفاته بلدية بيروت، وأوصى بأن يكون متحفا.
ولم تكن المعارض والمعالم التاريخية الأخرى بمعزل عن الفاجعة، فالتفجير الذي هز بيروت ألحق الدمار بمعارض فنية، مثل معرض المرفأ، كما أن المرفأ نفسه الذي كان يعمل منذ عهد الفينيقيين قبل أكثر من أربعة آلاف عام أصبح مدمرا بالكامل.
تاريخ سويسرا الشرق
استهدف تفجير بيروت تاريخها، التي عرفت في القرن الماضي بـ"سويسرا الشرق"، فبعد أن كانت بيروت منارة عربية في العلم والثقافة والتاريخ، خسرت إرثها في لمح البصر.
ومن المفارقات، أن لبنان استعاد قبل عشرة أيام من التفجير خمسة تماثيل أثرية، يعود تاريخها إلى الفترة ما بين القرنين الرابع والسادس قبل الميلاد، عثر عليها في معبد أشمون في ميناء صيدا، ثم سرقت خلال الحرب الأهلية مع مئات القطع الأثرية، التي لم يظهر معظمها حتى الآن، رغم الحرب الدولية على عصابات تهريب الآثار.
عملية استعادة التماثيل الأثرية تمت بعد أن رصد متحف متروبوليتان في نيويورك الأمريكية ثلاثة تماثيل كانت معارة له من جامع تحف، وتعرف أحد أمناء المتحف عليها باستخدام موقع يسجل القطع الأثرية المفقودة أو المسروقة، أما التمثالان الآخران فعثر على أحدهما في معرض فني ألماني، والآخر كان في حاوية قادمة إلى ميناء طرابلس اللبناني، الشهر الماضي، لكن الفرحة لم تكتمل.
مبادرات للنهوض
في مبادرة لمساندة المجتمع الفني والثقافي في بيروت، أطلق المورد الثقافي، والصندوق العربي للثقافة والفنون "آفاق" حملة جمع تبرعات، لمساعدة الأفراد والمؤسسات المتضررة في القطاع الثقافي على النهوض من هول الفاجعة.
تعاون المؤسستين المورد الثقافي وهي مؤسسة غير ربحية تأسست في عام 2003 لدعم الإبداع الفني وتشجيع التبادل الثقافي داخل المنطقة العربية، فيما يعد الصندوق مؤسسة مستقلة، تأسس بمبادرة من ناشطين ثقافيين عرب في عام 2007، جاء من أجل الحفاظ على تماسك النسيج الثقافي، الذي يتطلب المساندة على المديين المتوسط والبعيد، وهو الأمر الذي لا يتحقق إلا من خلال الدعم المتنوع والثابت والمتكرر.
وبحسب بيان مشترك للمؤسستين، تلقت "الاقتصادية" نسخة منه، ستذهب التبرعات كاملة لدعم المؤسسات والمساحات الثقافية والفنية المتضررة، بناء على تحديد الحاجات الملحة وفي مقدمتها إعادة البناء الطارئة لضمان سلامة المباني والممتلكات أو تسديد إيجار أمكنة مؤقتة في حال التضرر الكامل، حماية وإيواء ونقل المجموعات الثمينة "صور، أفلام، أرشيف، موسيقى، وغيرها"، إعادة تأهيل الأمكنة "أثاث، وشبكات البنى التحتية للكهرباء، وغيرها"، تصليح أو استبدال المعدات الضرورية، كما سيخصص جزء من التبرعات لدعم الفنانين والفنانات الأفراد ممن خسروا بيوتهم، مساحات عملهم، ومعداتهم وآلاتهم، ليتمكنوا من الاستمرار.
هذه المبادرة ساندتها مبادرات أخرى لفنانين عرب وعالميين، الذين هرعوا إلى تقديم المساعدات وحملات التبرعات لضحايا التفجير، مثل نجوم الغناء ريهانا، وشاكيرا، فيما اختار ملك الراي الجزائري الشاب خالد التعاطف مع لبنان على طريقته الخاصة، بعد أن أهدى لبنان أغنية حملت اسم "جميلتي بيروت"، باللغتين العربية والفرنسية، التي تعد رسالة محبة إلى المدينة المنكوبة.

الأكثر قراءة