أخطاء شائعة في عملية التحول الرقمي «1من 2»
منذ أن بزغ نجم التحول الرقمي في بداية القرن الحالي، والمنظمات والمؤسسات والشركات تهرع في سباق محموم نحو تبني خطة أو استراتيجية لتبني هذا المفعول السحري وتطبيقه عمليا داخل منشآتها. وفي ظل الأزمات الخانقة والظروف الحالكة مثل جائحة كورونا التي يمر بها العالم اليوم، أصبح التحول الرقمي خيارا أوليا للشركات الكبيرة إذا أرادت الاستمرار في النمو والتطور والبقاء. وحسبما ذكرت شركة دير ميديا، فإن كل خمسة أو سبعة أعوام ستتم زعزعة وتمزيق صناعات بأكملها، يخرج منها عمالقتها ومن ثم تحل شركات ناشئة محلها. ولا يعني ذلك أن الشركات والأعمال التجارية ما قبل العصر الرقمي محكوم عليها بالفشل، لكن يمكن أن تحول نفسها لتزدهر لكيانات أخرى في العصر الرقمي. يقول البروفيسور ديفيد روجرز أستاذ كلية إدارة الأعمال في جامعة كولومبيا: "لا يوجد أي سبب على الإطلاق يدعو الشركات الرقمية المبتدئة إلى أن تحل محل الشركات القائمة، ولا يوجد سبب يجعل الشركات الجديدة أن تكون المحرك الوحيد للابتكار"، وذلك في إشارة إلى أن العهد الرقمي عالم فسيح يتسع للجميع والابتكار أو الابداع قد ينشآن من شركات عريقة أو تراثية legacy companies.
ذكرت مجلة هارفارد بزنس ريفيو إحدى مجلات الإدارة المرموقة، أن الأموال التي تدفقت من أجل الاستثمار في المبادرات الرقمية في الشركات الصناعية الكبيرة، وبالتحديد في مجال التجديد الرقمي digital reinvention، بلغ مجموعها أكثر من 100 مليار دولار وذلك بين عامي 2016 و2018، بيد أن العوائد المتوقعة من الاستثمارات الرقمية كانت نتائجها غير مرضية، كذلك أبانت دراسة تتبع شركة سيلزفورس دوت كوم أن مجموع ما ضخ في برامج ومبادرات التحول الرقمي خلال عام 2018 تجاوز 1.3 تريليون دولار في استثمارات شركات كبيرة، مثل جنرال إلكتريك وفورد وغيرهما، وأن 70 في المائة من تلك الشركات مني بالفشل، بينما ظل أو تحسن الأداء في البقية منها. إذن لو تساءلنا: ما السبب الذي أدى إلى تلك الخسائر الفادحة يا ترى؟ قد نستشف من نتائجها أن أغلب الاستثمارات الرقمية عالميا قد ضاعت هباء، وأن التحول الرقمي قد فشل وأخفقت الاستثمارات والجهود التي بذلت فيه.
لو ننظر إلى مفهوم التحول الرقمي منذ إنشائه وتصوره، لوجدنا أنه يرتكز على ثلاثة عناصر رئيسة، كما يلي: العنصر الأول هو الاستراتيجية الرقمية، ويندرج معها رسم استراتيجية تحول رقمية للعملاء والمستهلكين والتنافسية والبيانات والابتكار والقيم. والعنصر الثاني هو الثقافة الرقمية، وفيها يوضع تصور واضح ضمن الاستراتيجية الرقمية عن الأدوار والموظفين والقيادة والمهارات الضرورية والعمليات والأدلة والتصاميم والهيكل التنظيمي وإدارتي التغيير والمخاطر. أما العنصر الثالث فهو التقنية الرقمية وهي المعنية بالبرامج التقنية التي تسهل عمل الاستراتيجية الرقمية وتقوم على تنفيذها، مثل الحوسبة السحابية والبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي وسلسلة الكتل والروبوتات وغيرها. إذن التحول الرقمي يعني حقيبة تقنية شمولية متكاملة تستهدف تغييرا ثقافيا واستراتيجيا وتنظيميا وتشغيليا لمؤسسة أو صناعة من خلال التكامل الذكي للتقنيات والعمليات والكفاءات الرقمية عبر جميع المستويات في الهيكل التنظيمي وخارجه، وذلك من أجل البقاء والاستدامة والبحث عن الربحية والميزة التنافسية والعائد على الاستثمار في العصر الرقمي، أو بمعنى آخر إعادة تفكير وثقافة جديدة لمنظومة الأعمال الحالية.
ويعد الخطأ الشائع هو تركيز المنظمات على تطبيق مفهوم الرقمية فقط وهي الكلمة الثانية من التحول الرقمي بينما أهمل مفهوم التحول. إذ لا يعني أن المنظمة أضحت محسوبة في عداد العصر الرقمي بمجرد أنها صممت موقعا إلكترونيا أو تطبيقا أو منصة رقمية، أو تفعيل الأرشفة الإلكترونية أو اعتماد البريد الإلكتروني في التعاملات المختلفة، أو الادعاء أنها تبحر في العصر الرقمي لمجرد تطبيقها الذكاء الاصطناعي أو الحوسبة السحابية فقط. ولهذا تنظر بعض الشركات إلى التحول الرقمي على أنه مجرد مسألة فنية أو تقنية معلومات بحتة وهنا تكمن المشكلة. قد تكون عملية "رقمنة" أو "دجتلة" فحسب، لكن ليست تحولا رقميا بالمفهوم السليم. وقد تتداخل المفاهيم في التحول الرقمي مع الثورة الصناعية الرابعة حيث ينظر إليهما على أنها واحدة وهذا غير صحيح ألبتة، فالتحول الرقمي أعم وأشمل من الثورة الصناعية الرابعة. وعليه، دائما ما نسمع أن التحول الرقمي لا يرتبط بالتقنية فحسب، بل بالاستراتيجية والطرق الجديدة في التفكير، كما أفاد البروفيسور ديفيد روجرز، في كتابه (دليل التحول الرقمي).
ولعل أحد الأخطاء الشائعة في مضمار هذا التوجه الحديث يتبدى في عدم اقتناع الإدارات العليا بمفهوم التحول الرقمي، إما لإنها ترفض التغيير أو خوفا منه، وهذا يدل على ضعف الإدارة. أوضحت شركة ديلويت الاستشارية في أحد تقاريرها الإحصائية أن ضعف الإدارة ناجم من عدم ثقة القادة بقدراتهم أو قدرات منظماتهم لتطبيق التحول الرقمي. إن ثقافة التحول الرقمي تستوجب مشاركة الإدارة العليا من الشركة أو المؤسسة في التحول الرقمي وتأييده. وقد يكون عدم الاتفاق على الأهداف الرئيسة من التحول الرقمي في المنظمة أو غياب الالتزام سببا في فشل التحول الرقمي. يقول بيتر صامويل الرئيس التنفيذي لمجموعة إيفيرست: "إن معرفة مفهوم ورؤية التحول الرقمي والموافقة عليهما تختلف عن الالتزام بهما الذي يحقق نجاح الاستراتيجية. يمكن لقادة الشركة عقد اجتماعات رائعة والتحدث عن الحاجة إلى التغيير. لكن إذا لم يلتزموا بالتغيير الضروري لتحقيق الرؤية والهدف الاستراتيجي، فستفشل المبادرة. من المهم وجود الإدارة العليا ممثلة في رئيس مجلس الإدارة والأعضاء والرئيس التنفيذي ونوابه في قارب واحد، سواء بالرؤية والأهداف والاستراتيجية والأهم هو الالتزام بالتغيير المطلوب... يتبع.