المعلم

تعاني مجتمعات اليوم كثيرا من التغيير الذي ينتج مسؤوليات لم تكن موجودة في السابق. كان الواحد منا يقول ما يريد دون أن يفكر في نتائج ما يقول، ولذا انتشر الخلاف رغم عدم تعرف أغلب المختلفين على ظروف وملابسات رؤى مخالفيهم. كانت التهم ترسل جزافا دون تمحيص، وكل يدافع عن رأيه بوسائل أقل ما يقال عنها إنها غير منطقية وبعيدة عن الواقع المعيش.
مع انتشار الصوت ووصول الصورة إلى الآفاق بدأت حالة من الرقابة الشخصية والمجتمعية على كثير مما يقال خصوصا عند التعرض للآخرين، ومع سيطرة وسائل التواصل أصبحت الرقابة القانونية أمرا حتميا لحماية المجتمع من النزاع الذي يمكن أن يولد إشكالات أكبر من مجرد اختلاف الآراء، وحماية حقوق الأفراد والمجموعات والمؤسسات بغض النظر عن حجمها وانتمائها.
هذه الثقافة الجديدة كليا على مجتمعاتنا العربية أوجدت كوابح عديدة لما يمكن أن نشاهده في وسائل التواصل ووسائل الإعلام من اتهامات سواء كانت محقة أو باطلة إذا فقدت الأدلة التي تمنحها المصداقية. هنا أصبح الجميع أكثر تخوفا وتحسبا عند الدخول في خلاف مهما كان نوعه وحجمه. شاهدنا بعد ذلك المطالبات المتكررة لمحاسبة من يتسبب في الإساءة إلى الآخرين مها كان نوع الإساءة، ثم ظهرت التحذيرات من قبل الجهات المسؤولة من تجاوز الحدود في القول أو الفعل أو الإشارة والتلميح - حتى.
المطالبات المستمرة بالحقوق أوجدت قنوات محددة يلجأ إليها كل من يعتقد أنه تعرض إلى الإساءة أو تشويه الصورة. هذا - مع وجود حالات التوجس الاجتماعي - أنتج منظومة من التعاطي المقنن بين الناس، وجعل الأغلبية يتوقفون عن تجاوز حدودهم في الحكم على الآخرين أو التعامل بسلبية معهم.
يمكن أن نجد العذر لمن توزع مقاطعهم دون علمهم، لكن أن نكتشف أن مغردين ومشاهير يتعمدون تصوير إساءاتهم إلى الآخرين وينشرونها كأنما يتعاملون مع أصدقائهم في جلسة خاصة، فذلك من الأمور التي لا يمكن تصور قبولها اجتماعيا.
على أن الحال يستدعي استمرار التوعية من قبل الجهات المختصة، إضافة إلى التوعية الأساس في المدارس والمنازل لتكوين جيل مسؤول ومستوعب لمآلات كلامه وسلوكه، وهذا الدور سيغير كثيرا مما نشاهده في المجتمعات ويجعل الناس أكثر إنتاجية والتزاما واحتراما لخصوصيات الآخرين، وفي مرحلة متقدمة نقد الفعل وليس الأشخاص.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي