قزم القشرة الدماغية
هل سألت نفسك يوما ما وأنت في عزلتك، كيف يبدو شكلك من وجهة نظر دماغك، لا عينيك؟ بمعنى كيف يراك دماغك؟!
هذا ما أراد أن يعرفه الطبيب الجراح وايلدر بنفيلد، وحانت له الفرصة الذهبية ليقوم بتجربة مثيرة جدا في 1930 أثناء عمله على إجراء عمليات جراحية على أدمغة مرضى الصرع.
أمسك الدماغ بين يديه، وقام بوخز أجزاء من القشرة الدماغية وتسجيل ردة فعل الدماغ، ثم قام بجمع البيانات، ليكتشف الأجزاء من القشرة المخية التي تسيطر على الإحساس ووظائف الجسم الإرادية. قام برسم ما توصل إليه من نتائج ليحصل على صورة مشوهة جدا وغريبة لجسم الإنسان، عرفت بخريطة "أنيسان القشرة" أو القزم اللحائي، يبدو فيها جسدك كما يراه دماغك بفك عريض ولسان كبير ويدين طويلتين وقدمين نحيلتين وأصابع يدين وقدمين كبيرتين وأعضاء تناسلية متضخمة!
على طول القشرة الحسية، يتم ترتيب المناطق المتخصصة في أجزاء مختلفة من الجسم بطريقة منظمة، لكنها مختلفة عما قد يتوقعه المرء، وبطريقة عكس الواقع الذي نراه. فمثلا، يتم تمثيل أصابع القدم في الجزء العلوي من نصف الكرة المخية، وكلما نزلت إلى أسفل القشرة المخية تجدها تمثل الأجزاء العلوية من جسم الإنسان. أما أجزاء الوجه فيتم تمثيلها من الأعلى إلى الأسفل عكس السابق.
كمية القشرة المخصصة لأي منطقة من الجسم لا تتناسب مع مساحة سطح تلك المنطقة من الجسم أو حجمها، بل تتناسب مع مدى ثراء تلك المنطقة بالأعصاب. يتم تمثيل مناطق الجسم ذات الوصلات الحسية أو الحركية الأكثر تعقيدا والأكبر عددا على أنها أكبر في البشر الصناعيين أو الهومونكولوس، في حين يتم تمثيل المناطق ذات الروابط الأقل تعقيدا والأقل عددا على أنها أصغر. الصورة الناتجة هي صورة جسم بشري مشوه.
وهذا يوضح السبب وراء الشكل غير المتناسق والمشوه للإنسان في الدماغ وهو أن بعض الأعضاء يلعب دورا أهم في التقاط المعلومات الحسية من البيئة، بينما الأعضاء الأخرى تلعب دورا أقل أهمية. اليدان وملامح الوجه واللسان والأعضاء التناسلية، على سبيل المثال، هي مناطق حساسة جدا، ولذا هنالك عدد أكبر من الروابط العصبية بينها وبين الدماغ، فتظهر بشكل أكبر في الخريطة، فهي المانحة لأكبر قدر من المعلومات الحسية لذا تحتل مساحة أكبر في قشرة الدماغ والعكس صحيح.
وعلى الرغم من أن هذا القزم اللحائي مسخ للصورة البشرية، إلا أنه يوحي بالفضول ويحثنا على البحث عن مزيد من التفاصيل وخبايا تلك العلاقة بين الإنسان ودماغه وأفعاله، لقد منحنا بنفيلد برسم العلاقة بين الدماغ وجسم الإنسان عملا لا يقدر بثمن.