توطين مراكز لا نقاط
موضوع توطين الأعمال والوظائف كان ولا يزال أبرز المواضيع التي تشغل الساحة الاقتصادية والإعلامية بل حتى على الصعيد الاجتماعي سواء في مواقع التواصل الاجتماعي أو مجالس المجتمع ذاته.
وذلك كنتيجة طبيعية بالنظر إلى نسب البطالة رغم محاولات الجهات المعنية وذات الاختصاص توفير وظائف للمواطنين وتعزيز القطاعات الاقتصادية بشواغر من أبناء وبنات الوطن، ما يدعم الاقتصاد الوطني ككل ويحسن مستوى المعيشة للأفراد في ظل ارتفاع أسعار المعيشة والركود شبه العام بالحركة التجارية عالميا ومحليا.
وعودا إلى عنوان الموضوع فإننا نجد أن بعض القطاعات التي تم فرض التوطين عليها لم تحقق النتائج المرجوة أو على الأقل لم تصل إلى المستهدفات التي كانت متوقعة حيث واجه المواطنين والمواطنات على حد سواء كثير من العقبات داخل تلك القطاعات رغم تسهيل الحكومة الطريق لذلك سواء من خلال تقديم القروض للمشاريع الصغيرة أو تأجيل الأقساط أو حتى توفير التدريب اللازم لها من خلال عدة برامج وذلك لضمان استمرار ونجاح عملية التوطين وتحقيق الأهداف المنشودة له.
فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أن توطين محال الخضار والفواكه أو حتى التموينات والبقالات الصغيرة وكل مجال آخر يمكن أن يطلق عليه نقاط توزيع لمجوعة متنوعة من المنتجات كمحال الإكسسوارات أو الملابس وغيرها اصطدمت بعقبة مراكز التوزيع حيث إن المراكز أو الشركات نفسها التي تعنى بإرسال موزعين لتلك المحال بكل مجالاتها تسيطر عليها لوبيات من جنسيات مختلفة تقف عائقا أمام نجاح التوطين حيث تتعامل بازدواجية وانتقائية مطلقة فنجدها تقدم تسهيلات الدفع لبني جلدتها وسهولة استرجاع البضائع غير المبيعة كما أنها تمنح مجموعات أكبر وأكثر تنوعا وبأسعار أقل لبني جلدتها بينما لا تقوم بذلك مع المحال التي يعمل فيها المواطن بنفسه.
هذه السياسة الاستفزازية التي تسعى إلى إفشال المواطن في كل مجال بإحكام سيطرتها في مجالات كثيرة من التجارة من خلال تحكمها في المراكز الرئيسة ووسائل التوزيع التي تضمن لها البقاء والسيطرة هي في الحقيقة لم تكن عقبة أمام المواطن البسيط فحسب الذي يبحث عن لقمة عيش شريفة من خلال محل أو مشروع صغير يعمل فيه بنفسه ليضمن فيه إيرادات له ولأسرته حتى لا يكون عالة على وطنه بل يخدم من خلالها الاقتصاد الوطني ويحافظ على تدوير الأموال داخل الوطن بل إن هذه القضية تقف عقبة أمام نجاح خطط الحكومة في دعم أبنائها وبناتها وتعطل كثيرا من الدراسات وتزيد استمرار نسب البطالة في الارتفاع فهي بحق شوكة في عنق الوطن وخنجر في خاصرته لذلك كان لا بد من النظر إلى توطين مراكز البيع ووسائل التوزيع التابعة لها بدلا من التركيز فقط على نقاط البيع, وكما يقال إن عملية التنظيم والترتيب تبدأ من أعلى الهرم لا من أسفله.
وحقيقة إن التوطين في حد ذاته حق مشروع لكل بلد متى وجد البديل من أبنائه فضلا عن كونه يشكل أولوية لدى الحكومات حرصا منها على توظيف أفرادها، إلا أن من المستغرب أن نرى ونسمع كثيرا من القصص لمشاريع صغيرة لأبناء وبنات الوطن أغلقت بعد فترة قصيرة من افتتاحها رغم نجاح محال أخرى وربما مجاورة لها وفي المجال نفسه لأنها غير ملتزمة بالتوطين.
وهذا يدفعنا إلى البحث عن السبب والظروف التي جعلت من الأول يفشل والآخر ينجح، وهنا فأنا لا أشكك مطلقا في قدرات أبنائنا وبناتنا ومدى كفاءتهم وقدرتهم على تحمل المسؤولية والاهتمام بمشاريعهم وضربهم أروع الأمثلة في مجالات كثيرة.
وفي الواقع إن أحلامهم تبخرت ومشاريعهم تبددت بعد أن اصطدمت بحائط كبير من الفولاذ شيدته لوبيات من جنسيات مختلفة في كل مجال سواء كانت تلك الجنسيات عربية أم أجنبية.
وكثيرا ما اشتكى المواطن من تجاهل بعض الشركات وموزعيها لنشاطه وعدم دعمه أو التعامل معه بشكل يختلف تماما عن نشاط مشابه يقوم عليه مقيم من الجنسية نفسها لتلك الشركات والموزعين.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن عملية التوطين لا بد أن تبدأ من خلال الشركات التي تتربع على عرش الهرم بكل مجال تكون فيه لتتحقق الأهداف المرجوة من التوطين وتزيل عقبات الفشل وتهدم أسوار التستر والعنصرية التي تمارس على المواطن داخل بلده. كما أن من المهم أيضا أن تتزامن هذه العملية مع تكثيف المراقبة على النشاطات التي تم توطينها وعدم السماح بمزاولتها لغير المواطن فما زال كثير من النشاطات التي تم إقرار توطينها تحتاج إلى المتابعة والتأكد من التزامها بالتوطين. حتى تكون الشركات والموزعون لها مجبرين على دعم المواطن والتعامل معه عندما لا يوجد غيره في السوق وتتقلص معها خياراتهم التي تسببت في زيادة البطالة وخروج كثيرين من سوق العمل.
لذلك البدء بتوطين المراكز الرئيسة وفروعها أهم وأولى من توطين نقاط التوزيع فقط بل إنها لا تقل أهمية عنها حيث إنهما مكملان بعضهما.
وفي الختام لا نستطيع أن نتجاهل الجهود الكبيرة للجهات المعنية وذات الإختصاص في هذا المجال التي تهدف إلى دعم السواعد الوطنية وهي جهود تذكر فتشكر، وإنما كانت هذه السطور إضاءة على بعض ما تقوم به بعض الجاليات من ممارسات خلف الكواليس تسعى من خلالها إلى البقاء وفرض السيطرة في مجالاتها ومحاربة التوطين متحدية بذلك الجهدين الحكومي والفردي على حد سواء.