الديون العالمية .. البركان الخامد
تحرص الحكومات على إبقاء نسبة الدين العام منخفضة أمام نسبتها للناتج المحلي الإجمالي وتشكل لها أولوية كبرى رغم احتياجها إلى الاقتراض لتمويل مشاريعها أو حتى سد العجز في ميزانياتها، فكلما انخفضت نسبة الدين العام مقابل نسبة الناتج المحلي الإجمالي كان ذلك إيجابيا. وعلى الرغم من ذلك إلا أننا نجد كثيرا من الدول المتقدمة تزيد فيها نسبة الدين على الناتج المحلي الإجمالي لها، غير أن المقلق هو ارتفاع نسبة الدين العالمي أمام الناتج المحلي الإجمالي للعالم نفسه وبشكل ملحوظ ومتزايد، خاصة في الآونة الأخيرة، حيث تجاوزت نسبة الدين ثلاثة أضعاف الناتج المحلي العالمي عندما وصلت النسبة نهاية عام 2019 إلى 322 في المائة ويتوقع أن تقفز نهاية العام الحالي 2020 إلى 342 في المائة، كما يتوقعها معهد التمويل الدولي مع استمرار الانكماش الاقتصادي العالمي، ومن وجهة نظر شخصية فعلى الرغم من فظاعة النسبة المتوقعة إلا أنها قد تكون متحفظة حيث ما زالت تبعات الأزمة التي يعيشها العالم الآن تفاجئه كل يوم بشكل أو آخر.
فمنذ الأزمة المالية عام 2008 ارتفعت نسبة الدين العالمي لأكثر من الضعف، ومع استمرار مرور العالم بجائحة كورونا وما حدث ويحدث منذ بدايتها من تبعات اقتصادية وخيمة لم يشهدها العالم من ذي قبل من اضطراره إلى إغلاق الاقتصادات، ما تسبب في خسائر فادحة من توقف خطوط الإنتاج والتوريد وتراجع الطلب وارتفاع نسب البطالة إلى أرقام قياسية. أمام كل هذه العوامل وغيرها اضطرت الحكومات إلى زيادة الاقتراض لدعم اقتصاداتها ومواجهة الركود حيث لا يمكنها مواجهة هذه الأزمة إلا بضخ مزيد من السيولة في الأسواق لتحفيزها وضمان عدم توقف عجلة الاقتصاد ما أمكن ذلك، ولأن التقشف لن يزيد تبعات هذه الجائحة إلا حدة.
وتشير الدراسات المنشورة إلى أن البنوك المركزية فقدت أكثر من 175 مليار دولار في أقل من شهرين فقط من أجل شراء سندات أو أوراق مالية لمصلحة ضخ السيولة. إلا أن الاقتراض بعد خروج العالم من هذه الأزمة الحالية سيكون له أثر سلبي، حيث ستضطر تلك الحكومات إلى التقشف وفرض بعض الإجراءات ومزيد من التحفظ للوفاء بقروضها، كما أن الاقتراض لم يكن حكرا على الحكومات، فانخفاض أسعار الفائدة فتح شهية ذلك للشركات والأفراد على حد سواء.
وكثيرا ما أبدى الخبراء والاقتصاديون تخوفهم من انفجار هذا البركان الخامد من الديون العالمية أو هذه القنبلة الموقوتة، كما يسميها البعض، إلا أن اشتعال فتيلها سيعتمد على قدرة العالم على الوفاء من عدمه لأكثر من 20 تريليون دولار مستحقة السداد نهاية العام الجاري 2020، وهي محطة اختبار صعبة بالنسبة له.
ختاما، صدق كل من قال: "إن العالم بعد كورونا لن يكون كما كان قبله".