هل توفر بيانات العدادات الذكية قيمة جديدة؟
يمثل مشروع تركيب العدادات الذكية للشركة السعودية للكهرباء في جميع أنحاء المملكة أحد المشاريع الوطنية نحو التحول الرقمي. حيث سيتم تركيب عشرة ملايين عداد ذكي لدى جميع قطاعات المشتركين في المملكة. وبالفعل بدأ العمل في هذا المشروع منذ شباط (فبراير) 2020. ولعل من أهم مميزات العدادات الذكية هو تحسين جودة الخدمة الكهربائية من خلال آلية قراءة العدادات ونظام الفوترة، دون الحاجة إلى تدخل بشري في إدخال القراءات أو آليات الفوترة. كما أنها تتيح للمشترك مراقبة استهلاكه من خلال تطبيقات الأجهزة الذكية لتساعده على تعديل النمط الاستهلاكي. أما من جانب الشركة فسيتيح لها استراتيجية مثلى في إدارة الأحمال ما يساعد على ترشيد الاستهلاك وتخفيض التكاليف وتقليل فقد الطاقة وتنظيم عملية قراءة العدادات وإجراءات الفوترة المصاحبة لها. كما أن من أهم مزايا العدادات الذكية هو علاج ظاهرة السرقات والتعديات على الكهرباء خلافا للعدادات التقليدية التي يمكن الوصول إلى دوائرها والعبث فيها وتغييرها. يضاف إلى ذلك، الفوائد الاقتصادية والبيئية على مستوى المملكة. وستوفر هذه العدادات الذكية خطوة مهمة نحو البدء الحقيقي في الشبكات الذكية.
إن عملية تركيب عشرة ملايين عداد ذكي سيتمخض عنها بيانات ضخمة ستتدفق من خلال قراءة العدادات كل نصف ساعة لتقييم حجم الاستهلاك الكهربائي (كيلو واط ساعة). ويصل حجم القراءة في العداد الذكي إلى نحو 100 بايت ويمكن أن تختلف حركة المرور المرسلة إلى مركز البيانات الرئيسة من 1600 إلى 2400 بايت لكل قراءة. إضافة إلى إرسال بيانات أخرى مثل قيمة القدرة الحقيقية والقدرة غير الفاعلة والجهد الكهربائي وغيرها، نحن أمام أرقام فلكية أو بيانات ضخمة وفي نمو متزايد ومطرد مع الوقت وتزايد أعداد المشتركين. الأمر الذي يجعل من الصعب تجميعها أو ترتيبها بالطرق التقليدية المعمول بها إذ تفوق قدرة البرمجيات والآليات الحاسوبية الاعتيادية على معالجتها وتنسيقها وتوزيعها. إن العدادات الذكية – بمنظورها الحالي – ستتيح للشركة السعودية للكهرباء دخول مرحلة التحول الرقمي والانخراط في معترك الثورة الصناعية الرابعة من خلال تفعيل حلول بديلة متطورة مثل الحوسبة السحابية والبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي وسلسلة الكتل وغيرها. الأمر الذي سيجعل من هذه الحلول المتطورة مؤشرات واعدة تفرز أنماطا جديدة لقيم واستثمارات حقيقية في مجالات التنمية المستدامة والتطور المطرد.
على المستوى الأفقي وأقصد هنا صناعة الكهرباء، فإنه من خلال استبانات إحصائية ودراسات عملية أجريت في أمريكا وكندا فقد أظهرت نتائجها وتوصياتها أن تحليل بيانات العملاء مثل الحمل الذروي، واستهداف العملاء والتواصل معهم وإظهار الطابع الشخصي من خلال انتمائهم إلى مقدم الخدمة، ودراسة التعريفة المناسبة، يمثل الاستخدام الأمثل لبيانات العدادات الذكية. كما أن بالإمكان أيضا تحديد الأحمال الكبيرة التي تحدث خلال أوقات الحمل الذروي وإمكانية إزاحتها إلى فترات أخرى. أضف إلى ذلك القدرة على معرفة تلك الأحمال الكهربائية ذات الاستهلاك المنخفض والكفاءة المتدنية ما يستدعي تشغيل أجهزة أكثر كفاءة وأقل استهلاكا وملاحظة الأثر تباعا. ستوفر بيانات العدادات الذكية قيما عملية على نطاق واسع في برامج إدارة الأحمال وكفاءة الطاقة واقتراح معدلات التعريفة المناسبة وغيرها. وسينعكس ذلك إيجابا على قطاعات أخرى مثل تخطيط الشبكات الكهربائية وتحديد مساراتها ومواقعها ورسم تصورات وتوقعات لها للأعوام المقبلة.
أما على المستوى الرأسي، فستتيح بيانات العدادات الذكية قيما متجددة في سلوكيات المستهلك لصناعات أخرى، وهذا مجال خصب في علم التسويق. الذي ينتج عادة من تحليل نشاط المستهلك إلى فهم قرارات الشراء. إن أي عملية تسويقية تبدأ أولا بدراسة الفرص المتاحة للمنتج المراد طرحه في السوق التي تقتضي تحليل ودراسة خصائص العملاء المستهدفين. وستبرز بيانات العدادات الذكية بكل تأكيد في جانب من الاستهلاك الكهربائي للمنتجات خلال أوقات وفصول معينة ومناطق ومدن محددة سواء للقطاع السكني أو التجاري أو الصناعي أو الحكومي بحيث، على سبيل المثال، نستطيع دراسة استهلاك الشقق السكنية لمدينة الرياض في فترة النهار من كانون الثاني (يناير) ورسم نتائج أو تحليل يخدم سوق التكييف. وهذا المقصود من عملية استهداف عملاء معينين ودراسة سلوكياتهم كي يستثمر في بيانات العدادات الذكية في تحديد حجم سوق صناعات أخرى مثل تصنيع المكيفات أو الإضاءة أو الإسكان وغيرها. وقد شوهد مثل هذا التعاون التجاري في الولايات المتحدة في بيانات الطقس تحديدا من شركات التأمين أو الطيران المدني وغيرهما، بما ينعش ويخدم صناعات أخرى في بيانات ليس من صميم هذه الصناعة. يمكن القول إن بيانات العدادات الذكية تؤخذ بصورة آلية تحاكي واقع الاستهلاك الكهربائي ما سيجعل منها مجالا خصبا لأبحاث سوق ودراسات تطوير في مجالات صناعية كثيرة ومتعددة.
لقد أصبحت البيانات شريان الحياة لعملية اتخاذ القرارات، كما أنها تمثل القاعدة الصلبة لصناعات كثيرة ويجب أن تعامل داخل المنشأة كأحد الأصول الاستراتيجية التي يمكن الركون إليها والاعتماد عليها وليست مجرد أرقام فقط، لذلك فإن على مقدم الخدمة الكهربائية – الشركة السعودية للكهرباء - أن يدرك القيمة الحقيقية في استثمار البيانات من أجل تحسين العمل والتطوير والبحث عن دخل إضافي، ومن حق الشركة أن تبحث عن موارد مالية إضافية (غير اعتيادية). وقد يكون مناسبا للشركة إنشاء قطاع متكامل يتولى جمع وترتيب وتحليل بيانات العدادات الذكية كي تكون منتجا جاهزا للتداول التجاري.
وحيث إن عالم اليوم يشهد تطورات تقنية مستجدة وصناعات حديثة متطورة فإننا نتفق على أن البيانات أصبحت العمود الفقري لأي مشروع تجاري ناجح على الرغم من حالة عدم اليقين. لذا ستسعى قطاعات الصناعة، وعلى الأخص صناعة الطاقة نحو البحث عن بيانات العدادات الذكية من أجل تحويلها إلى خطط استراتيجية مجدية ورؤى تجارية مربحة.