الطباعة على القماش تقليد متواصل في تشيكيا
مسار التشيكي يري دانزينغر المهني كان مرسوما منذ البداية فهو ترعرع في عائلة تشيكية منخرطة في تقليد طويل يتمثل بالطباعة على القماش. ففي بلدة اولشنيته في شرق البلاد ينتمي هذا الحرفي البالغ 40 عاما إلى الجيل الحادي عشر الذي يعول في عيشه على تقنية الطباعة على اللون الأزرق المدرجة في قائمة التراث العالمي للبشرية التي تعدها اليونسكو.
ويقول مبتسما في أحد مشغلين اثنين فقط في تشيكيا يعنيان بها، واضعا يده على آلة كي قديمة "لم يرغمني أحد على ممارسة هذه المهنة لكن لم أتلق اي عرض عمل آخر كذلك". وتستند تقنية "بلاودروك" او "مودروتيسك" التي انتشرت في أوروبا في القرن السابع عشر على الطباعة باستخدام ختم خشبي كبير مزين عادة برسوم أزهار يغمس في معجون من الصمغ العربي.
من ثم يدمغ الفنان القماش القطني الأبيض بهذا الختم قبل أن يغمسه في سطل من الصباغ الأزرق النيلي. ومع سحبه من الدلو يصبح لون القماش أرزق فيما الرسمة تبقى بيضاء. وأدرجت اليونسكو هذه التقنية على قائمتها للتراث العالمي غير المادي في العام 2018 بناء على ملف مشترك قدمته تشيكيا والنمسا وألمانيا والمجر وسلوفاكيا حيث هذا التقليد مستمر.
ويقول دانزينغر الذي يستخدم 250 رسما مختلفا "نعيش في منطقة فقيرة ونستخدم رسوما بسيطة مثل نبات النفل أو الشوفان". ويضيف "أما المناطق الغنية فستخدم رسوما معقدة أكثر". وشير ماركيتا فينغلريوفا المديرة المساعدة لمجموعة النسيج في متحف فنون الزينة في براغ إلى ان هذه التقنية وصلت إلى أوروبا من آسيا ولا سيما من دول تعتمد صباغ النيل التقليدي مثل الهند واندونيسيا واليابان. وبفضل شركة الهند الشرقية الهولندية التي أسست في القرن السابع عشر وصلت التقنية إلى البلاط الملكي الهولندي قبل أن تنتشر في أوروبا الوسطى ومن بينها دول البلطيق وبولندا.
وتوضح فينغليروفا لوكالة فرانس برس "كانت تلقى رواجا في صفوف الأرستقراطيين لكنها انتشرت بعد ذلك في مدن وبلدات صغيرة فتخلى عنها النبلاء". وأضافت "خلال فترة طويلة كانت تقنية الزينة الوحيدة المتاحة لأبناء البلدات". ويعود تقليد الصباغ في اولشنيته إلى العام 1520. وقبل صباغ النيل كان الحرفيون يستخدمون اوراق نبات الوسمة للحصول على اللون الأزرق لأوشحة وأغطية أسرة. ويصنع محترف دانزينغر مجموعة واسعة من السلع من ألعاب قماشية وحقائب وربطات عنق.
خلال أزمة فيروس كورونا المستجد بدأ المحترف يصنع كمامات وجه عندما فرضت الحكومة وضعها في الأماكن العامة. ويوضح دانزينغر "بين ليلة وضحاها رحنا نصنع كمامات بسرعة كبيرة. ورأينا أن ذلك ضروري". وانتج مشغله بداية كمامات قطنية بيضاء ليوزعها على أبناء المنطقة لكنه راح يسلمها أيضا للشرطة إذ أن البلاد عانت من نقص معمم في المستلزمات الطبية. ويؤكد "عندما لبينا الطلب رحنا نصنع الكمامات المطبوعة بعد 15 يوما. وقد بعنا أكثر من ألف منها حتى نهاية يونيو". في المنزل القديم المرمم الذي يقيم ويعمل فيه، يقول دانزينغر إنه يشعر "بواجب" العمل لاستمرار هذا التقليد الذي ورثه من اسلافه. ويختم قائلا "الناس يرحلون إلا أن هذه المهنة نتمنى أن تبقى إلى الأبد".