الصين في صورة البعبع الاقتصادي «1 من 2»

مع انتشار كوفيد - 19 في الصين وأوروبا، ثم الولايات المتحدة، وجدت الدول المنكوبة بالوباء نفسها في صراع جنوني على الإمدادات الطبية: الكمامات، والمراوح، والملابس الواقية. وفي أغلب الأحيان اضطرت هذه الدول إلى اللجوء للصين.
وأثناء اندلاع الأزمة، أصبحت الصين أكبر مورد في العالم للمنتجات الرئيسة، بنسبة تشكل نصف جميع الواردات الأوروبية والأمريكية من معدات الحماية الشخصية. وتقول تقارير حديثة نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز"، إن الصين أرست الأسس للسيطرة على سوق الإمدادات الوقائية والطبية في الأعوام المقبلة.
وعندما تحولت الصين لأول مرة نحو الأسواق العالمية، كانت تتمتع بميزة الإمدادات غير المحدودة من العمالة منخفضة التكلفة. لكن كما يدرك الجميع الآن، فإن براعة التصنيع في الصين ليست نتيجة قوى السوق غير المقيدة.
وكجزء من سياسة صنع في الصين، التي ستعتمدها الحكومة الصينية عام 2025، استهدفت الصين زيادات طموحة في حصة المنتجين المحليين من الإمدادات الطبية العالمية. ويشرح تقرير صحيفة "نيويورك تايمز"، بالتفصيل، كيف وفرت الحكومة الأراضي الرخيصة للمصانع الصينية، وقدمت قروضا مدعومة، ووجهت شركات الدولة إلى إنتاج مواد رئيسة، وحفزت سلاسل التوريد المحلية من خلال مطالبة المستشفيات والشركات باستخدام المدخلات المحلية.
فعلى سبيل المثال، خفضت سيتشوان، ثاني أكبر مقاطعة في الصين، بمقدار النصف، عدد الفئات التي تم السماح باستيراد المعدات الطبية من أجلها. واضطر معظم المستشفيات إلى الحصول على مواردها محليا، مع السماح للمستشفيات الكبرى فقط بإدخال الإمدادات من الخارج.
أصبحت وسائل الإعلام الغربية الآن مليئة بالحسابات عن حملة الصين للسيطرة على العناصر المهمة في الآلة الصناعية العالمية، على حد قول صحيفة "نيويورك تايمز"، مرة أخرى. ويتزايد تصوير دور الصين في الاقتصاد العالمي في سياق لا يذكرنا بالتجارة الثنائية، بل بالعدوان الإمبراطوري. ومن الواضح أن الاستبداد المتزايد لشي جين بينج، الرئيس الصيني، والصراعات التجارية المتصاعدة مع الولايات المتحدة، لها دور واضح في هذه الرواية أيضا.
إن التوترات الاستراتيجية والجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين حقيقية. فهي مبنية على القوة الاقتصادية والعسكرية المتزايدة للصين، وتردد قادة الولايات المتحدة في الاعتراف بحقيقة أن يكون العالم متعدد الأقطاب بالضرورة. لكن يجب ألا نسمح للعلماء الاقتصاديين بأن يصبحوا رهائن للجغرافيا السياسية، أو الأسوأ من ذلك بتعزيز التنافس الاستراتيجي وتضخيمه.
أولا، يجب أن ندرك أن النموذج الاقتصادي المختلط الذي تقوده الدولة، كان دائما مصدر النجاح الاقتصادي الصيني. فإذا عكس نصف المعجزة الاقتصادية في الصين دورها في الأسواق بعد أواخر السبعينيات من القرن الماضي، فإن النصف الآخر هو نتيجة السياسات الحكومية النشطة التي تحمي الهياكل الاقتصادية القديمة، مثل مؤسسات الدولة، في حين أن الصناعات الجديدة انبثقت من مجموعة واسعة من السياسات الصناعية.
وكان الشعب الصيني هو المستفيد الرئيس الذي شهد - بطبيعة الحال - أسرع تراجع شهده التاريخ في مستويات الفقر. لكن هذه المكاسب لم تأت على حساب بقية العالم، فالأمر بعيد عن ذلك تماما. إن سياسات النمو التي تثير غضب الدول الأخرى اليوم هي السبب في أن الصين أصبحت سوقا كبيرة للمصدرين والمستثمرين الغربيين. لكن أليست السياسات الصناعية الصينية، مثل تلك التي تستخدم في الإمدادات الطبية، غير عادلة للمنافسين في مكان آخر؟
يجب أن نتوخى الحذر قبل الوصول إلى مثل هذا الحكم. إن المبرر المعياري للسياسة الصناعية هو أن الصناعات الجديدة تنتج تداعيات التعلم، والعوامل الخارجية التكنولوجية وغيرها من الفوائد الاجتماعية واسعة النطاق التي تجعل دعم الدولة مرغوبا فيه.
خاص بـ"الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2020.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي