رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


احتجاجات فلويد والضائقة الاقتصادية «2 من 2»

يعمل النظام التعليمي المنفصل عنصريا واجتماعيا على تعزيز أسطورة الجدارة في حين يسهم في توطيد مكانة النخب، التي يحظى أبناؤها على نحو ثابت بالقدرة على الوصول إلى أفضل المؤسسات الأكاديمية، ثم يواصلون للحصول على أفضل الوظائف "ويتزاوجون عادة بين بعضهم بعضا، ما يعيد بالتالي إنتاج ذات الظروف التي استفادوا منها هم أنفسهم".
من ناحية أخرى، أوجدت هذه الاتجاهات حلقات سياسية ارتجاعية من خلال ممارسة الضغوط، وتمويل الحملات الانتخابية، وغير ذلك من أشكال النفوذ والتأثير، ما أدى إلى زيادة ترسخ نظام ضريبي وتنظيمي يعود بالفائدة على الأثرياء. لا عجب إذن أن يكون معدل الضريبة الهامشية المفروضة على سكرتيرة وارن بافيت، كما قال ساخرا في مناسبة شهيرة، أعلى من معدل الضريبة الهامشية المفروضة عليه شخصيا.
أو على حد تعبير صحيفة The Onion أخيرا في عنوان رئيس ساخر، "المحتجون ينتقدون نهب الشركات دون تشكيل شركة ذات ملكية خاصة أولا". كان الحكام الأثرياء ينهبون الولايات المتحدة لعقود من الزمن، باستخدام أدوات مالية عالية التكنولوجيا، واستغلال الثغرات التي تعيب قانون الضرائب والإفلاس، وغير ذلك من الطرق لاستخراج الثروة والدخل من الطبقة المتوسطة والطبقة العاملة. وفي ظل هذه الظروف، يمثل الغضب الذي أعرب عنه معلقو "فوكس نيوز" إزاء بضع حالات نهب في نيويورك ومدن أخرى ذروة النفاق الأخلاقي.
ليس سرا أن ما يعود بالفائدة على شارع وول ستريت يلحق الضرر بالشارع الرئيس، ولهذا السبب حققت مؤشرات أسواق الأسهم مستويات قياسية جديدة في خضم تجويف الطبقة المتوسطة وسقوطها في بئر عميقة من اليأس. فمع امتلاك أكثر 10 في المائة ثراء لنحو 84 في المائة من كل الأسهم، وعدم امتلاك أقل 75 في المائة ثراء لأي أسهم على الإطلاق، لا تسهم سوق الأسهم الصاعدة بأي شيء على الإطلاق في ثروة ثلثي الأمريكيين.
كما يوضح الاقتصادي توماس فيليبون في كتابه "الانقلاب العظيم"، فإن تركز قوة القلة المحتكرة في أيدي الشركات الأمريكية الكبرى يزيد من تفاقم التفاوت بين الناس ويجعل المواطنين العاديين مهمشين. الواقع أن قلة من الشركات الأسطورية "الشركات البادئة التي تقدر قيمتها بمليار دولار أو أكثر، التي يديرها قلة من المحظوظين في العشرينيات من أعمارهم، لن تغير حقيقة مفادها أن أغلب الشباب الأمريكيين يعيشون بشكل متزايد حياة محفوفة بالمخاطر ويؤدون أعمالا لن تقودهم إلا إلى طريق مسدود.
من المؤكد أن الحلم الأمريكي كان دائما أكثر طموحا من الواقع. إذ كان الحراك الاقتصادي والاجتماعي والحراك بين الأجيال قاصرا دوما على ما توحي به أسطورة الرجل العصامي الذي صنع نفسه بنفسه. لكن مع تدهور الحراك الاجتماعي الآن واتساع فجوات التفاوت، بات الشباب اليوم محقين في غضبهم.
الآن تثور البروليتارية الجديدة ـ البريكاريا. وفي إعادة صياغة عبارة، ربما نستطيع أن نقول، "دع فرائص الطبقات البلوتوقراطية ترتعد إزاء ثورة البريكاريا. فلن يخسر البريكاريون شيئا غير الأغلال التي تكبلهم. وإذا فازوا فسيملكون العالم".
خاص بـ"الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2020.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي