ظاهرة الحرب
الحرب هي - بلا منازع - الظاهرة الأشد عنفا بين كل الظواهر الاجتماعية عبر التاريخ، ويمكن القول إن الحرب هي التي أنجبت التاريخ، لأن التاريخ بدأ بكونه حصرا تاريخ النزاعات المسلحة، والحال أنه لمن المستبعد أن يستطيع التاريخ الكف عن كونه "تاريخ الحروب". وبفعل الحروب اندثرت الحضارات المعروفة كافة، كما أن الوقائع الحربية الكبرى هي التي تحضر انقراض الحضارات المغلوبة على أمرها، فهي من جهة أخرى تعزز انطلاق عديد من الحضارات الجديدة، ودخولها إلى التاريخ. والحرب دائما تقريبا تضع لفترة طويلة نمطا اجتماعيا معينا على رأس البشرية. إن الحرب هي العامل الرئيس بين عوامل التقليد الجماعية التي تلعب دورا مهما في التحولات الاجتماعية. وحيث إن الميل التقليدي عند معظم الأمم والدول يتجه إلى الانطواء على الذات والاكتفاء بالمقدرات الذاتية، تؤدي الحرب إلى دفع الدول الأكثر انغلاقا وعزلة إلى الانفتاح على الغير. لذا فإن الحرب هي احتمالا الشكل الأكثر فاعلية في الاتصال بين الشعوب وحضاراتها، إنها تحطم بالقوة عزلتهم السيكولوجية، لأن الشعوب - حتى منها الأكثر نفورا من الجديد - تتحول إلى شعوب شغوفة بالتقليد، حين تقتضي الضرورة امتلاك أسلحة، وفرت النصر لأعدائها.