«إكسترآكشن» .. حركة مفرطة بقصة مستهلكة
كثيرون رددوا عبارة "ما قبل كورونا ليس كما بعده"، وباء قلب كل المقاييس رأسا على عقب، تغيرت أساليب حياة البشر وتبدلت اهتماماتهم، ولم يبق الفن السابع كما هو، بل أيضا انحرف عن مساره قليلا، حيث بدأ عمالقة المنصات التكنولوجية الرقمية مقارعة استديوهات هوليوود والسخرية منها، ولطالما كانت عين "نتفليكس" على الأفلام السينمائية وتحاول منذ أكثر من عامين منافسة هوليوود، لكن هذا الأمر كان ضربا من الخيال، إلى أن جاء كورونا وشل حركة هوليوود فاسحة المجال أمام "نتفليكس" لبسط سيطرتها وفتح أذرعها ضاحكة لمستقبلها الجماهيري الواعد.
اللحظة الفاصلة لا تقاس بالثواني والدقائق، بل ساعتين قدمت خلالهما منصة نتفليكس فيلم "إكسترآكشن" Extraction، فكانت لحظات ممتعة رغم الشوائب، وناجحة رغم محدودية الإنتاج، ولعل سبب النجاح يعود إلى الآكشن الرائع فيه الذي يخطف الأنفاس مع التصاميم القتالية ومعارك إطلاق النار المتأججة، والإخراج المتميز للغاية مع الكاميرا المتحركة، وإخراج اللقطة الواحدة بمنظورات مختلفة.
البطل مرتزق
أما القصة فهي جدا بسيطة، تدور حول عضو سابق في القوات الخاصة الأسترالية، تحول إلى مرتزق يسمى تايلر، يؤدي دوره كريس هيمسوورث، يبلغ بمهمة إنقاذ ابن زعيم عصابة مخدرات هندية، وهو مراهق اسمه أوفي ماهاجان، يؤدي دوره رودراكش جيسوال، مختطف من قبل عصابة مخدرات منافسة تسيطر على العاصمة البنغالية دكا، يتزعمها أمير أسيف، يؤدي دوره بريانشو بينيولي.
البدايةمنذ اللحظات الأولى للفيلم يظهر تايلر كرجل لا يبالي الموت لسبب ما، بل ويريد أن يموت، ما يجعله يقبل أي مهمة مستحيلة، لذلك يقبل بمهمة إنقاذ أوفي، لكنه يواجه منافسا يريد أيضا تحرير أوفي، وهو ساجو، يؤدي دوره رانديب هوودا، وهو أيضا عضو سابق في القوات الخاصة الهندية ويتزعم عصابة والد أوفي، ويخشى ساجو من أن نجاح مهمة تايلر تعني أن والد أوفي سيتخلص أو سينتقم من الأول.
يتعامل هارجريف بشكل جيد مع العلاقة بين شخصيتي تايلر وأوفي، فهو حذر يريد استدرار عطف المشاهد دون المبالغة في مشهد عاطفي يفسد النبرة العامة وينجح في ذلك، فدرجة الانسجام بين البطل والصبي ممتازة بفضل النص الذي أخذ وقته في تطوير العلاقة في المشهد الحواري المذكور، رغم أن تلك المدة الزمنية تعد طويلة أكثر من المطلوب قياسا على نبرة الفيلم.
من والد إلى قاتل إلى زوجغموض شخصية ساجو يستحق الإطراء، خصوصا عندما أبرز هارجريف ثلاثة أطوار منها، بدأ بطور الوالد الذي يرعى عائلته، ثم تحول إلى قاتل قاس لا يعرف الرحمة عندما تصادم مع تايلر ثم تحول إلى زوج يريد حماية عائلته بأي ثمن، هذه التفاصيل ترفع من الفيلم فوق مستوى أدنى المتطلبات التي ذكرناها سابقا.
يستمر تايلر في القتال إلى أن تصبح الجثث أكواما في كل مشهد، وتايلر يقاتل أكثر من شخصين في آن واحد، ويستخدم خصما كدرع بشرية من رصاص الخصم التالي، لوهلة يبدو كأنه يتراقص أثناء القتال لكنه لا يستطيع إكمال رقصته إلى نهايتها فيكسرها، وينتقل إلى الخصم التالي أو يغير مكانه باختياره أو رغما عنه بسقوطه من شرفة الطابق الأول لمبنى على الأرض.
ضعف القصةإن القصة ليست جديدة بل تعد مستهلكة إلى حد كبير، تتميز بنوع من البساطة المستهلكة في الوسط السينمائي، مثل هذه الأفكار مستهلكة جدا خصوصا في هوليوود، حتى إننا شاهدنا مئات من الأفلام والمسلسلات منذ أعوام القرن الماضي، التي تدور حول فكرة ذلك الجندي أو المقاتل الذي يصارع الأشرار لإنقاذ طفل من عصابة ما، فكرة ساذجة لا إبداع حولها، كانت الهفوة التي أنقصت من روعة الفيلم، الذي كان من الممكن أن يكون تحفة ملحمية مشوقة مثالية.
إخراج ناجح
رغم بساطة القصة، تميز الفيلم بالإخراج المميز، حيث عمل المخرج سام هارجريف، الذي اشتهر بإخراج أفلام مثل Atomic Blonde وActs of Violence، بالتعاون مع الأخوين روسو كاتبي ومخرجي أفلام "أفنجرز" التي جسد فيها هيمسوورث دور ثور، عمل على تقديم طريقة فريدة بالإخراج مع كاميرا متحركة تضفي مزيدا من التوتر، إضافة إلى إخراج اللقطة الواحدة المستمرة بطريقة فريدة من منظورات مختلفة. ففي قلب الآكشن الحماسي، تجد الكاميرا تركز على همسوورث وهو ينطلق مسرعا، فيصطدم بشيء آخر تنتقل إليه الكاميرا وتأخذنا إلى المنظور الثاني بعدما يختفي همسوورث عن الأنظار، وبالتالي لا نعرف إلى أين ذهب الآن، ما يضفي طبقة من المفاجأة والغموض.
أضف إلى ذلك المشاهد القتالية المصممة بشكل رائع، من مواجهات إطلاق نار، إلى السلاح الأبيض، والذراعين العاريتين، وكل ما يمكنك تخيله من المواجهات الدموية التي تخطف الأنفاس من لحظة البداية حتى النهاية، كما تمتاز التصاميم القتالية بروعتها، التي تستغل قوة تايلر البدنية لتأدية حركات رائعة، وإن كان مبالغا فيها في بعض الأحيان لدرجة قد ينسى المشاهد أنه في فيلم واقعي وليس الآفينجرز، ومن المعروف عن الأخوين روسو النجاح الذي أنجزاه في أفلام عالم مارفل السينمائي، وأغلب الأفلام التي قدماها هناك كانت مشاهدها غاية في الروعة والتشويق.
أداء ممثلين جيد
كما كان أداء كامل الطاقم متألقا، حتى الشخصيات شبه الجانبية مثل جاسبر الذي يلعب دوره دايفيد هاربور، الذي تألق بأدائه كما اعتدنا عليه، إضافة إلى باقة من الممثلين الهنود الرائعين مثل بانكاج تريثابي الذي يلعب دور زعيم الجريمة والد الطفل المخطوف، ورانديب هوودا الذي يلعب دور مساعده، إضافة إلى الممثلة الإيرانية الأصل جولشيفتيه فاراهاني التي كانت في فريق همسوورث، كل هذا أعطى زخما للفيلم وغطى على ضعف قصته.
النهاية بداية لجزء ثان
تركت النهاية الفرصة أمام راك للعودة، حيث إن عديدا من الشخصيات لديها قصص سابقة، لذلك هناك فرصة أن يقدم الجزء الثاني قصة سابقة عن أحداث الفيلم الأول، ولقد أكد روسو وشقيقه في حديث إلى الصحافة أن سام هارجريف سيعود كمخرج، وأن كريس هيمسوورث سيعيد تمثيل دوره المرتزق تايلر راك، وأكد أن الصفقة مغلقة بالنسبة إليه، لكتابة "إكسترآكشن2"، وهو في المراحل التكوينية لما يمكن أن تكون عليه القصة، حيث إنه ترك الجزء الأول نهاية فضفاضة مع علامات استفهام للجمهور.
تجدر الإشارة إلى أن الفيلم حقق 90 مليون مشاهدة منذ إطلاقه في 24 نيسان (أبريل) الماضي.. فهل سيكون بداية التحليق لـ"نتفليكس" أمام هبوط هوليوود؟