أم هارون .. مغامرة محسوبة أم مجازفة كبرى؟
في ملحمة درامية غير مسبوقة عربيا، تخوض حياة الفهد، سيدة الشاشة الخليجية، السباق الدرامي الرمضاني بمسلسلها "أم هارون"، الذي تجسد فيه شخصية سيدة خليجية يهودية في حقبة الأربعينيات، تحاول التغلب على التحديات اليومية التي واجهتها، وواجهت اليهود عقب نكبة 1948.
وينتصر المسلسل لقضية التعايش بين الأديان، بمعزل عن السياسة والحركات الصهيونية، وتأثير السياسة في المجتمع وأبنائه، ويصور حال اليهود الذين عاشوا في عدد من الدول العربية، ليعكس رقي التعايش بين الأديان والانفتاح على الآخر، وهو ما لم يجده كثيرون مقبولا، بل عدوه محظورا، ومما لا يمكن تقبله على الشاشات، كون العمل يتناول اليهود بطريقة مغايرة في سياق درامي طويل، لم يألفه المواطن العربي، بعيدا عن الجماعات والحركات الصهيونية التي سلبت العرب أراضيهم، وهجرت وقتلت أبناءهم.
الطبيبة المسالمة
تروي الأحداث في "أم هارون" فتاة يهودية، يبدو أنها تعيش في لندن وترتدي زيا إنجليزيا، لتعود لتستبدله بزي كويتي، في إشارة إلى هويتها الكويتية، والشمعدان أمامها في دلالة على يهوديتها، فيما كانت أم هارون التي تجسد شخصيتها الفنانة حياة الفهد الشخصية الرئيسة للقصة.
وتركز القصة - التي تعود إلى أواخر الأربعينيات - على اليهود في الخليج، الذين كانوا يعيشون ضمن نسيج مجتمعي واحد، ويدورون في فلك أم هارون، السيدة المعروفة في الحي، والقابلة التي ولدت نساء منطقتها، وتحفظ أسرارهم، ولا تفرق بين مسلم ومسيحي ويهودي، فهي الطبيبة اليهودية المسالمة صاحبة القصة الشهيرة التي يعرفها الجميع جيدا من جيرانها، ولهم فيها قصص وعبر، إذ يبين المسلسل في حلقته الأولى، أن أم هارون تزوجت قديما برجل مسلم سرا، وأنجبت منه هارون، قبل أن يفتضح أمرها، ولا سيما عند عائلتها، فطالتها الأذية، ونتائج هذا الزواج المأساوية طالت زوجها وابنها المتوفيين.
وعلى المنوال ذاته، يشهد المسلسل قصة حب أخرى بين مسلم ويهودية، وكأن الزمن يعيد نفسه، لكن هذه المرة بين محمد بن الملا عبدالسلام، وراحيل ابنة الحاخام داود، يحاولان أن يتغلبا على الضغوطات الاجتماعية والدينية، على أمل أن يتبلور هذا الحب في زواج مكلل بالنجاح، ويكشفان سرهما لأم هارون، التي ترفض المساعدة، خشية أن يلقيا مصير زوجها وابنها.
ويشهد مسلسل "أم هارون" مفارقات فرضتها السياسة على المجتمع آنذاك، مثل أثر تأسيس دولة إسرائيل على أرض عربية، وتعامل المسلمين حينها مع اليهود، بل كيف تأقلم اليهود مع ذلك، وما تلاه من أحداث تمثلت في مقتل رجل يهودي في ظروف غامضة، ومن المفارقات في هذا المضمار تبرع أم هارون بذهبها من أجل القدس وفلسطين بعد نكبة 1948، وتعاطفها مع المسلمين في مواقف وأحداث مختلفة، لتثبت نزاهتها ووقوفها إلى جانب الحق، مهما كانت ديانته.
على الجانب الآخر، يظهر الحاخام داود، الذي يجسده الفنان عبدالمحسن النمر، بوجهه الطيب تارة، والشرير تارة أخرى، ويحاول أن يثني عائلته عن أي أعمال متهورة، قد تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، متقمصا الدور بالغ التعقيد.
أخطاء تاريخية
بعيدا عن الأخطاء الإخراجية، أو تلك التي تتعلق بلهجة الممثلين، التي لا تتفق على لهجة واحدة يفترض أن يتحدثها الجميع، تداول متابعو المسلسل خطأ تاريخيا وقع فيه صناعه، كان حينما بثت الإذاعة خبر تأسيس دولة "إسرائيل" عقب انتهاء الانتداب البريطاني في فلسطين، وهو خطأ ذو ثلاثة أفرع، الأول حينما تحدثت الإذاعة عن إعلان قيام الدولة على أرض إسرائيل، والأصح على أرض فلسطين، كما أن إعلان الدولة لم يتم مباشرة بعد انتهاء الانتداب، وتم الخلط بينه وبين قرار التقسيم 1947، فيما كان الخطأ الأخير في هذا الإطار يتعلق بالإذاعة الكويتية التي بثت الخبر، فيما يؤرَّخ بأن إنشاء الإذاعة الكويتية كان في 1951.
وسجل متابعو المسلسل على منصات التواصل الاجتماعي انتقادات طالت بيان الإذاعة الذي وصفوه بـ"الهزيل"، إذ تحدث عن مأساة عربية وقيام دولة محتلة دون أن يذكر ولو تلميحا اسم فلسطين، أو استعداد الجيوش العربية لدخول فلسطين بعد إعلان بريطانيا إنهاء الانتداب.
وفي سياق آخر، يذكر مهتمون بالتاريخ، أن المرأة في تلك الحقبة لم تكن تكد وتعمل بالصورة الاعتيادية التي يصورها العمل، ذلك قبل استقلال الكويت سياسيا، إلا أن ذلك كان دافعا للتعرف والقراءة أكثر عن تاريخ الكويت وتنوع الأديان فيها.
التعايش
التعايش بين الطبقات الاجتماعية والأديان كان محورا أساسيا للمسلسل، ولعل من المفارقات أن الفنانة حياة الفهد استبقت مسلسلها بتصريحات عدة حول الوافدين في الكويت أثارت حنقا لدى كثيرين، وفتحت بابا لا يسد من الجدالات والمقارنات بين الحالتين.
المسلسل بعد أسبوع من عرضه، كشف مجموعة من التحديات اليومية التي تواجه "أم هارون" كشخصية افتراضية في مكان يعيش فيه المسلمون والمسيحيون واليهود، يتقاسمون الحلوة والمرة ولقمة العيش، ضمن قالب اجتماعي غني بالأحداث، ووسط عدد من الصراعات الدينية والاجتماعية والسياسية داخل النسيج الواحد، على مدى 30 حلقة، تعرض على شاشة MBC.
سيل من الانتقادات واجهته الفهد منذ لحظة الإعلان عن "أم هارون"، وردت عليها بأن اليهود موجودون في كل مكان، وعاشوا في هذه المنطقة، ولا يمكن إنكار ذلك، وأكدت أن "فلسطين قضيتنا الأساسية، وقضية الكويت الأساسية"، كما عبرت عن دهشتها ممن انتقدوا العمل قبل أن يروه.
وشددت على أن العمل ليس وثائقيا، بل درامي بامتياز، وقالت في تصريحات، "إن مشهد الأذان في بداية المسلسل يحمل تحولا أساسيا في حياة أم هارون، ويبقى السر الذي يؤرقها والقضية الإنسانية التي تحتفظ بها في ذاكرتها، مخيمة على حياتها التي تعيشها وحيدة".
العمل، الذي تم تصويره في دولة الإمارات، يضم إلى جانب حياة الفهد مجموعة من النجوم، مثل أحمد الجسمي، عبدالمحسن النمر، فؤاد علي، فاطمة الصفي، روان المهدي، محمد العلوي، سعاد علي، فخرية خميس، محمد جابر، إلهام علي، وتأليف الأخوين علي ومحمد شمس، وإخراج محمد العدل كأول عمل درامي خليجي له، بعد عدد من الأعمال في السينما المصرية.