رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


أسعار النفط مرآة مستقبل صناعته «2»

 عودا على بدء، ذكرت في المقال السابق أهمية النفط كمصدر للطاقة ناضب، وكذلك أهمية استخداماته الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى التي نراها واضحة جلية من حولنا وأينما وقعت أنظارنا، وأضفت أن العلاقة بين منتجي النفط تحكمها المصالح والظروف، تتأرجح بين التفاضل والتكامل. المتأمل في أسواق النفط خلال الأعوام الخمسة الأخيرة يلاحظ أن المعادلة النفطية بعد بزوغ نجم النفط الصخري ليست كما قبلها، وأرى أن النظام النفطي الجديد الذي تشكل خلال هذه الفترة ليس نظاما مرحليا وسيبقى كذلك إلى ما شاء الله ما دام النفط الصخري الأمريكي موجودا. يعتقد البعض أن انخفاض أسعار النفط إلى مستويات متدنية جدا سيؤدي إلى وأد صناعة النفط الصخري الأمريكي، وهذا اعتقاد مجانب للمنطق والحقيقة، فالأسعار لن تبقى منخفضة على الدوام، فمع مضي الوقت تتطور تقنيات استخراج النفط وتنخفض تكلفة الإنتاج تباعا، ولا يمكن إغفال أن الولايات المتحدة الأمريكية هي عراب تقنيات الصناعة النفطية. وختمت المقال السابق أن على الرغم من التصريحات الروسية الغريبة عقب دعوة السعودية لعقد اجتماع عاجل لـ"أوبك بلس" التي لا تخدم أبدا مصلحة أسواق النفط في هذه المرحلة الحرجة بسبب الأوضاع الاقتصادية العالمية وجائحة كورونا، رغم هذه التصريحات والمراوغة السياسية إلا أنني أتوقع الوصول إلى اتفاق استثنائي يتسق مع الأوضاع الاستثنائية الحالية التي لم تحدث منذ عقود طويلة. حتى وقت كتابة هذا المقال هناك اتفاق كامل بين أعضاء تحالف "أوبك بلس" لخفض عشرة ملايين برميل يوميا باستثناء المكسيك التي ما زالت حجر عثرة أمام إتمامه. لا يهمني هنا تفاصيل الخلاف واعتراض المكسيك التي ستوافق عاجلا أم آجلا بعد تحقيق بعض المصالح السياسية واستغلال الموقف، المهم أن الجميع في حاجة ماسة إلى إعادة التوازن لأسواق النفط، فالاقتصاد العالمي يمر بمرحلة حرجة وصفها بعض الجهات المختصة أنها أقوى من الكساد الكبير الذي بدأ عام 1929. من المتوقع أن ينخفض الطلب على النفط عام 2020 في حدود 20 إلى 30 مليون برميل، أي ما يعادل 20 إلى 30 في المائة تقريبا من كمية الطلب العالمي، وأعتقد أنها ليست مبالغة نظرا لما تعانيه دول العالم جميعا بسبب جائحة كورونا، وأتصور أن يتبين الانخفاض المتوقع في الطلب على النفط بدقة أكثر نهاية الربع الثاني أو مطلع الربع الثالث. جميع ما سبق يضع جميع المنتجين أمام حقيقة لا يمكن تجاوزها، وهي أن التعاون مطلب ويجب أن يشارك فيه الجميع دون استثناء. قد يعتقد البعض أن انخفاض أسعار النفط بصورة قوية تضر في المنتجين فقط، وأن هذا الانخفاض يصب في مصلحة المستهلكين. قد يكون هذا الاعتقاد صحيحا على المدى القصير، لكن الحقيقة أن المنتجين والمستهلكين سيتأثرون سلبا على المديين المتوسط والبعيد من انخفاض أسعار النفط. عندما تنخفض أسعار النفط بصورة قوية وتستمر على هذا الانخفاض مدة طويلة، هذا سيؤدي إلى انخفاض أو خروج الاستثمارات في هذا القطاع، خصوصا في قطاع التنقيب لاستكشاف حقول جديدة تعزز الإمدادات النفطية في المستقبل. هذا يعني أنه في مرحلة ما ستقل الإمدادات قسريا وبوجود طلب عال سترتفع الأسعار بصورة كبيرة تضر بالمستهلكين، ولذلك نقول "أسعار النفط مرآة مستقل صناعته".           

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي