الملل جريمة
"ملل، طفش، مالي خلق، أف، متى نخلص".. عبارات نسمعها كثيرا وزادت هذه الأيام مع الأزمة، والأغرب حين يرددها الأطفال!
ذلك الشيء الذي يتسلل إلى داخلك فيرهق نفسك ويثقل كاهلك ويشعرك بالأسى والحزن ويفقدك متعة الحياة. لدرجة أن البعض يعده أكبر جريمة ممكن أن يرتكبها الإنسان في حق نفسه.
شعورنا بالملل يجعلنا لا نستطيع إنهاء كتاب بدأناه، ولا فيلم شاهدنا أوله، ولا حوار تلفزيوني مطول، لذا يتم عرض البرامج لنا بإيقاع أسرع من إيقاعها في الواقع، لكيلا يشعر المشاهد بالملل فيهرب!
لماذا نشعر بالملل؟
لكي نجيب على هذا السؤال لا بد أن نعرف ما الملل؟، يعرفه علماء النفس بأنه إحساس بالفراغ وعدم وجود المثير أو الحافز. العجيب أن هذا الشعور لم يكن له وجود حتى مطلع القرن الـ19، وكان الملل يطلق فقط عند وصف الشخص الثرثار. أما اليوم أصبح شعورا شائعا ومؤلما. نظن دائما أن الناس والأشياء من حولنا هي التي تشعرنا بالملل، الوظيفة، برامج التلفزيون، مزاولة الرياضة، الأصدقاء، الزوج أو الزوجة، كل شيء من حولنا ممل - لحظة ـ لم تنتبه إلى أن العامل المشترك بين هذه الأشياء هو أنت؟!
إذا الملل شعور نابع من داخلك وليس ممن حولك أو ما حولك. هو عجزك عن تأجيل شعورك بالرضا والبهجة. كثيرة هي الأمور التي تحتاج منا إلى الصبر والانتظار لنجني ثمارها ونفرح بها، عندما نصبر لننهي كتابا بدأناه لن نحصل على تقييم من أحد، إنما نخزنه كحصيلة معرفية نبني بها ثقافتنا التي ستدهشنا يوما ما. عندما نصبر على تربية أبنائنا دون كلل أو ملل سنرى في النهاية أبناء نفخر بهم.
لو طردت الملل و تأملت ما ينطوي عليه بقاؤك في البيت هذه الأيام من جمال وفوائد ومتع، لتمنيت أن تطول المدة من غير شر، فأنت في إجازة براتب مدفوع، مع فرصة الجلوس مع أبنائك والتخلص من تعب الحياة وأرق العمل واللهاث خلف النجاح. إنها استراحة محارب. شحن لبطارية حياتك. استمتع بقطرات الماء وحركة الأتربة وهي تندفع هاربة للخارج، وأنت تلاحقها بتيار الماء أثناء غسيلك حوش منزلك. اسرحي بخيالك مع البخار المتصاعد من قدر الطبخ واستجمعيه لتزيني طبقك في نهاية المطاف، وتخيلي عبارات الإعجاب التي ستحصلين عليها بعد طول انتظار، لتقضي على ذلك الشعور القاتل في داخلك!
يقول إيريك هوفر، عندما يمل الناس، فإنهم يملون من أنفسهم.