رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الأزمة ما بين الخسائر والفوائد

على الرغم من الأضرار الكبيرة التي يتسبب فيها انتشار فيروس كورونا في مختلف أرجاء المعمورة، بدءا من الصين، وامتدادا إلى إيطاليا وإسبانيا، ووصولا إلى بقية العالم، فإن خطورة هذا الفيروس اللعين أنه ينتقل بسرعة كبيرة ليصيب أكثر من 150 ألف إنسان حول العالم، ويقضي على حياة أكثر من خمسة آلاف شخص حتى الآن، وما يزيد خطورته أنه يبقى حيا على السطوح لمدة تصل إلى 12 ساعة. لذلك أعلنت منظمة الصحة العالمية أن فيروس كورونا بات وباء عالميا. وهذا يذكرنا بما أشار إليه الملياردير "بيل جيتس" في محاضرة قبل أربعة أعوام بأن المخاطر الكبيرة التي تواجه الكرة الأرضية في الوقت الحاضر ليست الصواريخ ولا الحروب النووية، كما كان في الماضي، وإنما زيادة انتشار الجراثيم والفيروسات التي لم ينفق على مكافحتها والحد من انتشارها إلا القليل مقارنة بما ينفق على وسائل الردع والحد من الحروب النووية.
لا شك أن الآثار الاقتصادية لأزمة «كورونا» كبيرة على المستوى العالمي، نتيجة إيقاف الاستيراد والتصدير للصين، التي تمثل أكبر مصنع في العالم، وتمتد إلى صناعات كثيرة تعتمد على إنتاج الصين، إلى جانب الآثار السلبية العظيمة لقطاع السياحة والترفيه في جميع دول العالم؛ الأمر الذي سيؤدي حتما إلى إفلاس كثير من الشركات المرتبطة بهذا القطاع الحيوي، خاصة إذا استمرت الأزمة وقتا أطول.
وعلى الرغم من الخسائر البشرية المؤلمة، وكذلك الخسائر الاقتصادية الموجعة في الصين وخارجها، فإن الأمر لا يخلو من بعض الجوانب الإيجابية من مبدأ تحويل الخسائر إلى مكاسب. فعلى الرغم مما يتبادر إلى أذهان كثيرين، فإن الصين - كما أعتقد - ستخرج من الأزمة أقوى مما كانت عليه قبل انتشار «كورونا»، نتيجة استشعارها التحديات الكبيرة، ومن ثم إنفاقها الكبير على البحث والتطوير، وتسخيرها جهودا عظيمة لتطوير قطاعات الصحة والاتصالات والتوعية الجماهيرية من أجل السيطرة على انتشار الفيروس والحد من أضراره. ولا يقل عن ذلك أهمية، وعي المجتمع الدولي بأخطار انتشار الفيروسات والأوبئة خصوصا، والحروب البيولوجية عموما، ومن ثم العمل على تطوير وسائل لحماية البشرية من أضرارها وتعزيز السلم العالمي من هذا الخطر القادم. وعلى المستوى المحلي، فإلى جانب الخسائر الاقتصادية والإيقاف المؤقت للتعليم وبعض الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية الأخرى، فإن هذه الأزمة لا تخلو من الجوانب الإيجابية. فعلى سبيل المثال، هناك إقبال كبير وغير مسبوق على استخدام تقنيات التعليم الإلكتروني من قِبل التلاميذ والمدرسين وأعضاء التدريس في الجامعات؛ ما سيرفع الوعي بأهمية استخدام التقنية ودورها في الحياة والأعمال والتعليم. وستكون لذلك آثار إيجابية على المدى البعيد. كذلك فإن اضطرار أفراد الأسرة للبقاء في المنازل وقتا أطول سينعكس على تعميق التواصل الأسري. ويلاحظ كذلك لجوء كثير من الأسر إلى الاعتماد على الطبخ في المنازل؛ ما سيوفر الغذاء الصحي، ويحد من الإنفاق الأسري. كما أن تعليق إقامة المناسبات في صالات الأفراح والاستراحات والفنادق سيوفر على الأسر كثيرا من التكاليف المالية، ويقلل من المباهاة و"الهياط" الاجتماعي.
وأخيرا، لقد تعاملت المملكة مع انتشار فيروس كورونا باهتمام كبير واتخذت قراراتها بشجاعة كبيرة بعيدا عن التردد والتسويف، وذلك من أجل المحافظة على الأرواح والحد من الخسائر البشرية، فكانت النتائج جيدة مقارنة بالدول الأخرى، مثل إيطاليا وإسبانيا وكوريا وإيران وبعض الدول المجاورة. ولكن على الرغم من هذه الجهود التي تبذلها الدولة مثل الإيقاف المؤقت للعمرة وزيارة الأماكن المقدسة، وتعليق الدراسة في المدارس والجامعات، فإن بعض الشباب استمروا – مع الأسف - في ارتياد المقاهي والمطاعم دون استخدام وسائل وقائية مثل الكمامات وغيرها؛ ما يعرضهم وأسرهم لخطر الإصابة بفيروس كورونا.. حمانا الله وإياكم وأوطاننا من كل سوء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي