تفاوت
تفاوتت الدول والحكومات في التعامل والتعاطي مع أزمة الوباء العالمي الحالي كما صنفته منظمة الصحة العالمية، وهو تفاوت يعكس فكرها الإداري من جهة، وقيمة الإنسان المواطن والمقيم فيها من جهة، ومدى تقدمها الفعلي وليس المصطنع، إضافة إلى أهم نقطة من وجهة نظري وهي مدى قدرتها على الضبط، ومقدار قابلية مواطنيها وسكانها على الانضباط، والحمد لله أن المملكة من الدول الأفضل في الاحتراز، والتوعية، وصرامة الإجراءات. وكما الدول تفاوتت الشركات أو جهات العمل غير الحكومية أيا كانت في تعاطيها وتفاعلها مع الأحداث، فهناك شركات حققت معدلات ضبط عالية وسريعة وكانت مساعدة للجهات الصحية والأمنية على نشر رسائلهم وتطبيقها، إضافة إلى تدابير احترازية أخرى، وهناك شركات فشلت مع الأسف في إدارة الأمر، ويبدو لي أن الفارق سببه القيادة الواعية والصارمة، والموارد البشرية المميزة، وأيضا الاتصال الفاعل داخليا وخارجيا.
هذا على صعيد التوعية والوقاية والإجراءات الاحترازية، أما على أصعدة العمل فهذه الأزمة، التي نسأل الله أن يلطف بالجميع حتى تمر، كشفت معادن الشركات ورجال الأعمال من ناحيتين، الأولى ناحية الإنفاق السخي على كل ما هو ضروري للتوعية والوقاية وتنفيذ خطط الاحتراز، أو البخل بأشياء ضرورية وتعريض الناس للخطر.
الناحية الثانية هي في استعجال البعض الاستغناء عن الموظفين بحجج التأثيرات الاقتصادية للوباء قبل أن تحدث هذه التأثيرات، وهنا لا بد من التأكيد على حرية كل صاحب عمل في اتخاذ ما يحقق مصلحته، وعلى أن الموجات الاقتصادية تضطر إلى القرارات الصعبة، لكن القرارات يجب أن تراعي المصلحة العامة أيضا، فلا يعقل أن يفكر البعض في فصل سعوديات وسعوديين أجورهم متواضعة وإبقاء أجانب بعضهم أجورهم ليست متواضعة، وأقول يفكر ولم أسجل وقائع مثبتة إلى الآن.
التفاوت طال الأسر أيضا، أو فلنقل الأفراد في التعاطي مع الحال العامة، وظهر مستوى الوعي والحرص على التعليم والوقاية وتنفيذ التعليمات والاحترازات، وظهرت بعض الأشياء المحبطة أو حتى المضحكة في هذا الشأن، وربما لمن يتأمل بعمق اتضحت المعرفة والقدرة وربما الرغبة – إذا تحدثت بوضوح – في أن يكون الإنسان أبا أو أما مسؤولا عن أطفال أو أسرة.
ولعل التفاوت الأكثر وضوحا هو في وسائل الإعلام والاتصال، وانكشاف عورات بعض هذه الوسائل، وبعض من ينتسبون – أو ينسبون أنفسهم – إليها، ولعل الخيرة أن الأزمة ساعدتنا على تعقيم بعض وسائل التواصل ممن ساعدتها التفاهة على الانتشار، وجاءت المواقف الحقيقية والجادة لتظهر مستويات تفكيرها الحقيقية، ومحتواها الفارغ.