رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التعلم الذكي .. كيف نفهمه؟

ينتشر تعبير "التعليم والتعلم الذكي" Smart Education / Learning في توصيف بعض برامج المدارس في شتى أنحاء العالم؛ كما تنتشر أيضا أنظمة رقمية مختلفة تسعى إلى تفعيل مثل هذه البرامج. والغاية من ذلك هي إبراز السعي إلى تطوير التعليم والتعلم، عبر استخدام معطيات العصر، والاستجابة لمتطلباته. ونظرا للأهمية المتصاعدة لهذا الموضوع، يأتي هذا المقال محاولا طرح مضامينه، وبيان جوانبه المختلفة. وفي سبيل التأسيس لذلك، يبدأ المقال بعرض المفاهيم الدولية الأساسية للتعليم والتعلم والتدريب، كما تطرحها منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم "اليونسكو" UNESCO، في إطار نظامها المعروف "بالتصنيف المعياري الدولي للتعليم" ISCED. فهذه المفاهيم تحمل الجوهر الذي يراد تطوير أدائه كي يحمل صفة الذكاء المتوافقة مع العصر الذي نعيش فيه.
تعرف "اليونسكو" "التعليم" Education على أنه "الإجراءات التي تتبعها المجتمعات لنقل ما تراكم لديها من معلومات، ومعرفة، وفهم، وتوجهات، وقيم، ومهارات، وقدرات تنافسية، وسلوك، من جيل إلى آخر؛ ويتضمن ذلك تواصلا يجرى تصميمه لتحقيق غاية تعلم كل ذلك". وتعرف "اليونسكو" "التعلم" Learning على أنه "الاستيعاب الفردي للمعلومات، والمعرفة، والفهم، والتوجهات، والقيم، والمهارات، والقدرات التنافسية، والسلوك، عبر الخبرة أو الممارسة أو الدراسة أو تلقي الدروس أي التعليم بشأنها". كما تعرف "اليونسكو" "التدريب" Training على أنه "التعليم المصمم لتحقيق أهداف تعلم محددة، تتمثل في التعلم المهني التطبيقي".
وهكذا نجد، تبعا لمفاهيم المصطلحات الثلاثة، أن التعليم يشمل التدريب، وأن لديه طرفين، طرف يلقي المعلومة وطرف آخر يتلقاها، وأن الهدف من التعليم هو تحقيق التعلم لدى المتلقي. لكن التعلم لا يتحقق بالتعليم فقط، فهو بناء على التعريف السابق يتصف "بالفردية" ويتضمن أساليب مختلفة. فقد يسعى الفرد إلى الحصول على التعلم عبر التعليم، وقد يعمل على الحصول عليه بشكل ذاتي دون خضوعه للتعليم، حيث يبرز هنا مصطلح "التعلم الذاتي". في هذا التعلم، يستبدل طرف التعليم الذي يلقي المعلومة بتوافر المعرفة وما يتبعها، عبر الخبرة أو الممارسة، أو المصادر المعرفية المختلفة، الورقية منها والإلكترونية. ويحتاج هذا التعلم أيضا إلى جهد شخصي، مدفوع بالشغف أو الحاجة، ومعزز بالمثابرة الذاتية.
وإذا تساءلنا عن أسباب التعليم والتعلم، فسنجد إجابات كثيرة، لعل أشهرها تاريخيا تلك التي تعود بنا إلى زمن أفلاطون Plato الذي عاش في أثينا Athens في القرن الرابع قبل الميلاد، وأنشأ مدرسته الشهيرة المعروفة "بالأكاديمية" The Academy. في هذا المجال سنستند إلى ما ورد في ورقة حول الموضوع نشرتها "مادونا ميرفي" Madonna Murphy الباحثة في جامعة سانت فرانسيس St. Francis الأمريكية. بناء على هذه الورقة، يرى أفلاطون أن "التعليم هو جزء من موضوع أكبر هو رفاهية المجتمع Well-being"؛ وعلى ذلك فإن هدف التعليم هو تأهيل الناس ليكونوا مواطنين صالحين، قادرين على تقديم أعمال مفيدة للمجتمع في إطار الفضيلة؛ ولا بد بالتالي للمجتمعات الناجحة من السعي إلى توفير التعليم لجميع أبنائها، كل حسب إمكاناته الذهنية. ولا شك أن هذا الهدف ما زال قائما، وأن الأعمال المفيدة المنشودة هي تلك التي تسهم في الارتقاء بالمجتمع اقتصاديا واجتماعيا وإنسانيا.
إذا انتقلنا في التساؤل من أسباب التعليم إلى أساليبه، وعدنا في هذا الأمر إلى الزمان ذاته، والمرجع ذاته، فإننا نجد أن أفلاطون تبنى أسلوب أستاذه سقراط Socrates في التعليم، الذي يعتمد على طرح الأسئلة والسعي إلى الإجابة عنها. فقد رأى في هذا الأسلوب تحفيزا لـ"التفكير" Activation of Thinking من جهة، وتدريبا على "حل المشكلات" Problem Solving من جهة أخرى. كما أضاف إلى هذا الأسلوب أسلوبا آخر هو أسلوب افتراض أو تخيل حالات محتملة للموضوعات أو المشكلات المطروحة لمزيد من التفكير وتوسيع دائرة الحلول الممكنة.
بعد عرض ما سبق، نعود إلى "التعليم والتعلم الذكي"، وسنستند في عرض جوانبه المختلفة إلى بحث نشر في مجلة "بيئة التعلم الذكي" SLE عام 2016، أعده زي تينج زو Zhi-Ting Zhu، الذي يعمل في مركز شنغهاي للبحوث الهندسية الخاصة بأجهزة التعليم الرقمي SERCDEE. يرى البحث أن تعبير "التعلم الذكي" يرتبط بمجالات عدة Multidisciplinary، وأنه غير مقيد بتعريف محدد؛ وأن هناك بدلا عن ذلك آراء ومفاهيم بشأنه، بين العاملين في مجالاته المتعددة. فهناك، على سبيل المثال من يقول إن للتعلم الذكي جانبين: جانب يركز على المتعلم ومضمون التعلم؛ وجانب آخر يهتم باستخدام التقنية الرقمية كوسيلة ذكية وفاعلة لتحقيق التعلم الذكي المنشود.
يطرح البحث المذكور رؤيته "للتعلم الذكي" عبر ثلاثية تشمل: جانب "المتعلم الذكي" Smart Learners؛ وجانب "التربية الذكية" Smart Pedagogy؛ إضافة إلى جانب "بيئة التعلم الذكي" Smart Learning Environment. في إطار الجانب الأول يبين البحث أن هناك متطلبات أساسية، على المتعلم اكتسابها كي يحظى "بالتعلم الذكي". ويعطي، في هذا المجال مثالا عبر طرح المهارات الأساسية المطلوبة للتفاعل مع معطيات القرن الـ21، كما حددتها "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" OECD. وفي موضوع الجانب الثاني الخاص "بالتربية الذكية"، يقدم البحث أساليب مختلفة للتعلم، بينها التعلم عبر التعليم الصفي المعتاد، وعبر المجموعات، وعلى المستوى الشخصي، وباستخدام الإنترنت، وأي مزيج من هذه الأساليب. وفي إطار البيئة، يستعرض البحث عددا من التقنيات الرقمية المرتبطة بالتعلم الذكي، بما في ذلك تقنيات الذكاء الاصطناعي. ولعلنا نعود إلى مزيد بهذا الشأن في مقالات مقبلة بمشيئة الله.
يبقى الارتقاء بالمجتمع اقتصاديا واجتماعيا وإنسانيا هدفا "للتعلم"، سواء كان ذلك عبر التعليم التقليدي أو عبر الوسائل الأخرى المختلفة. وقد حظي هذا العصر، عبر ما قدمته العصور السابقة، بما لديه اليوم من إمكانات معرفية، وقدرات فكرية، وتقنية متقدمة. فهذه المعطيات هي التي أفرزت التنافس على التعلم، وجعلته متزايدا بل ومتسارعا بشكل غير مسبوق. ولا شك أن معطيات العصر من جهة ومتطلباته من جهة أخرى هي التي أطلقت "التعلم الذكي" ليحمل راية تعلم يتميز بكفاءة أعلى، وفاعلية أكبر، وأثر أعمق، واستمرارية لا تتوقف طالما شاء الله للحياة أن تستمر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي