الرئيس التنفيذي لهيئة الموسيقى .. عازفة كمان ومحاضر «تذوق الموسيقى»
لم تمر سوى أيام على تعيين الموسيقية السعودية جهاد الخالدي رئيسا تنفيذيا لهيئة الموسيقى، بقرار من أمير الثقافة الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، حتى انطلقت الخطوات والمبادرات لتطوير قطاع الموسيقى السعودي، على اختلاف مساراته وألوانه.
فعازفة الكمان - التي تملك في رصيدها خبرة تمتد لأكثر من 33 عاما - تحمل على عاتقها في هيئتها الوليدة تركة ثقيلة، تتمثل في إعادة الموسيقى إلى المناهج التعليمية في المدارس بدءا من العام الدراسي المقبل، بعد غياب طويل استمر نحو 60 عاما، كانت قبلها الألحان تشدو في الفصول الدراسية، لترتقي بالذائقة الفنية للطلاب، وتساعدهم على الإبداع والتفكير الخلاق.
العازفة المتعلمة
جهاد الخالدي سيدة عشقت الوتر واللحن، لتكون أول سعودية مدربة وعازفة لآلة الكمان، إحدى أصعب آلات العزف، عملت عازفة ضمن الأوركسترا المصرية لمدة ثمانية أعوام، وعزفت في عديد من الحفلات الكلاسيكية الموسيقية في القاهرة وإيطاليا وألمانيا وبريطانيا وعدد من الدول الأوروبية.
بداياتها كانت مبكرة؛ ففي سن الثامنة ألحقتها والدتها بمعهد الكونسرفتوار، المعهد العربي الوحيد الذي يعلم الموسيقى منذ الصغر، بعدما رشحها أستاذ موسيقى خاص، وقال لها "إن أذنها موسيقية، ولديها موهبة"، ولأنها سيدة تربوية فضّلت أن تدرسها في المكان الأكاديمي الذي يؤهل المواهب ويعلمهم الموسيقى بشكل منهجي وأكاديمي.
اختارت "الخالدي" آلة الكمان، كونها تتطلب أذنا موسيقية عالية، فهي من أصعب وأدق الآلات على الإطلاق، وتحتاج إلى تكنيك ومهارة ودراسة وتدريب لمدة طويلة حتى يتمكن العازف من العزف الصحيح، وتحتاج إلى مهارة عازف محترف، لتتمكن اليوم من عزف مقطوعات شهيرة وكاملة، مثل مقطوعات موزارت، سوناتات، بيتهوفن، لي لالو ودلسون.
"الخالدي" من الموسيقيين الذين أكملوا الخبرة العلمية بنظيرتها العملية، فحصلت على درجة البكالوريوس في عزف الكمان والتربية الموسيقية من المعهد العالي للموسيقى "الكونسرفتوار" في القاهرة، لتصبح بذلك ثاني سعودية تحصل على شهادة الكونسرفتوار، بعد الموسيقار غازي علي، كما حصلت على درجة الماجستير في تخصص إدارة أعمال من بريطانيا.
عملت "الخالدي" في وظائف قيادية إدارية في القطاعين الخاص والحكومي، وعملت في تعليم الموسيقى في المدارس، ومحاضرا في جامعة دار الحكمة لمادة "تذوق الموسيقى"، ورغم ابتعادها لأعوام عن العمل في مجال الموسيقى، إلا أنها لم تتوقف يوما عن ممارسة الموسيقى، فقد كانت بالنسبة إليها أكثر من مجرد هواية، فهي "علم وشغف"، كما تقول دائما.
الموسيقى في المدارس
قالت جهاد الخالدي في تصريح صحافي مع قناة "روتانا خليجية"، وهو الظهور الأول لها إعلاميا بعد تعيينها رئيسا للهيئة، "إن الموسيقى ستدرس بداية من العام المقبل، في حين ستكون البداية في مدارس رياض الأطفال وبعض المدارس الابتدائية، وسيتلقى الطلاب والطالبات دروسا في الأداء الجماعي "الكورال"، لتنمية إحساسهم بالألحان والإيقاع"، وعزت سبب اختيار مدارس محددة إلى عدم وجود كوادر كافية للتدريس، مؤكدة أن هذا التأسيس سيكون مفيدا للجميع، وسيعمل على تهيئة شباب مبتكر ومبدع ومتوازن في جميع التخصصات العلمية، وليس فقط على من سيحترفون الموسيقى لاحقا.
فهذه الخطوة الطموحة للهيئة، تتضمن تقديم برامج تعليمية لمختلف فئات المجتمع، تشمل الصغار في أعمار أقل من ستة أعوام، والأطفال من 7 إلى 16 عاما، وتخصصات جامعية، حيث سيتم تصميم برامج تعليمية وتدريبية وفق المناهج الموسيقية العالمية، في سياق مشروع الهيئة "الموسيقى للجميع"، وهو هدف تأسيسي يلتقي مع توجه وزارة الثقافة لتعزيز الفنون الموسيقية في التعليم العام والأهلي، إيمانا بأهمية تعليم الفنون منذ الصغر.
وحول قلة المتخصصين في الموسيقى، قالت "الخالدي"، "ستضاف أقسام متخصصة في الجامعات السعودية لتخريج معلمي الموسيقى، كما سيتم تدريب مجموعة من الشباب السعودي خلال هذه الفترة وتأهيلهم للعمل في تدريس الأطفال الموسيقى، ما يذهب بمشروع تعليم الموسيقى إلى أبعاد اقتصادية، من خلال فتح وظائف لمدرسي الموسيقى".
واستكمالا لحديثها، أكدت تأسيس معاهد متخصصة للموسيقى العربية، تتخللها برامج للموسيقى الكلاسيكية العالمية، والتعاون مع مؤسسات دولية متخصصة وفروع جمعية الثقافة والفنون في كل أنحاء المملكة لتدريب الهواة تدريبا أكاديميا، إلى جانب تدريب وتمكين ذوي الاحتياجات الخاصة، واحتضان وتمكين الأطفال الموهوبين.
حلم اقترب تحقيقه
بعد أن قضت أكثر من نصف عمرها في عالم الموسيقى، راود "الخالدي" حلم بإنشاء أكاديمية لتعليم الموسيقى للأطفال بشكل علمي أكاديمي متخصص في الموسيقى العالمية، تستهدف الأطفال من عمر ستة أعوام حتى 13 عاما، لتدريبهم على آلة موسيقية محددة طول فترة الدراسة، وقواعد وأسس الموسيقى الكلاسيكية، والنظريات الموسيقية وقراءة النوتة، إلا أن عدم وجود هيئات أو جهاز مسؤول لمنح تصاريح إنشاء أكاديمية موسيقية متخصصة حال دون تحقيق هذا الحلم.
واليوم، بعد أن تسلمت مسؤولية الموسيقى في المملكة، تنتظرها مجموعة من المهام، أبرزها إصدار التراخيص للأنشطة ذات العلاقة بقطاع الموسيقى، مثل الأكاديميات التي تطمح "الخالدي" لتأسيسها، إلى جانب تشجيع التمويل والاستثمار وإنتاج وتطوير المحتوى على اتساع ألوانه، خصوصا أن القطاع الموسيقي السعودي غني ومتنوع بالألوان والقوالب والإيقاعات الفلكلورية، فضلا عن التعاون الثقافي مع المنظمات الإقليمية والدولية ذات العلاقة.
وإيمانا بمبدأ "الموسيقى للجميع"، وترسيخا لفكرة أن الموسيقى فن وعلم وثقافة، وليست مجرد ترفيه؛ ستعمل هيئة الموسيقى على جمع الهواة الموسيقيين وتطوير هواياتهم من خلال دورات متنوعة بالتعاون مع الجمعيات الفنية، وتأسيس أوركسترا شباب، وكورال للأطفال والبالغين، إلى جانب تنظيم الفعاليات الموسيقية على مدار العام في مختلف مناطق المملكة، التي ستشمل مهرجانات موسيقية للأطفال والشباب لتبادل الثقافات المختلفة.
أحد أهم أهداف هيئة الموسيقى هو دعم حماية حقوق الملكية الفكرية، وحماية الإبداعات من الاستغلال المعنوي والمادي، إضافة إلى إحياء وتدوين الفلكلور والموسيقى السعودية لتنمية الحس الوطني والاجتماعي والهوية الثقافية الموسيقية للمملكة، ونشرها إقليميا وعالميا، وتأكيد أهمية الوعي الثقافي الموسيقي، ضمن متطلبات جودة الحياة في ظل رؤية المملكة 2030.
وكانت هيئة الموسيقى - وفقا للخالدي - بدأت فعليا في بناء استراتيجيات كاملة لإرساء البنية التحتية لثقافة الموسيقى في المملكة، وهذا يتضمن التعليم، التدريب، والتمكين لجميع المراحل العمرية، وبناء منظومة متكاملة وفعالة، تساعد على نشر الوعي الثقافي والتذوق الموسيقي في المجتمع.