ينابيع الأعمال الصغيرة
عندما رفعت الحكومة المقابل المالي للعمالة الأجنبية، وزادت وزارة العمل الأنشطة التي خصصتها للسعوديين ذكورا وإناثا، لاحظنا إقفال نسبة من المحال التجارية، جعلت لوحات "للتأجير" و"للتقبيل" تظهر في شوارع ومواقع مختلفة.
راقبت شارعا تجاريا صغيرا في الرياض أمر به يوميا، ولاحظت فيه إقفال عديد من المحال، وظللت أتابع وانتبهت أنه إضافة إلى بعض من أقفلوا، هناك من غيروا نشاطهم إلى نشاط لم تشترط سعودته!
لأكثر من عام وأنا أرصد، وقبل أشهر عدة انتبهت إلى أن الشارع "يغير جلده"، فاليوم هناك ثمانية محال جديدة. جديدة بوجوه أبنائنا وبناتنا، محلان لملابس النساء "بوتيك" ومركز نظارات، ومحلان لصيانة ولوازم الجوالات، ومحلان يبيعان "الطيب"، ومحل للملابس الرجالية.
فرص عمل وتجارة صغيرة نشأت عبر التمكين الحكومي للرؤية، من خلال شباب طموح استعانوا بالله ثم بأنفسهم ووظفوا معهم طلاب جامعات وموظفين يعملون من العصر حتى أوقات مختلفة مساء.
قرأت الحالة على أنها تعيد الشباب من العالم النظري في حكايات التجارة، إلى العالم الواقعي، عالم التجربة وخوض غمار منافسة العامل الأجنبي متسلحين بعزائم شخصية، وشيء من أنظمة ساعدتهم على الانطلاق، ولم يعد هناك توزيع للانتقادات والمخاوف، هناك توزيع للوقت والمهام.
رأيت القصة كإعادة تشكيل الشارع أو مجتمع الشارع من بائعين أجنبيين ومستهلكين متعددي الجنسيات إلى بائعين متعددي الجنسيات يبيعون على زبائن متعددي الجنسيات، وفي هذا مظهر صحي طبيعي ومزج بين عالمين كانا يبدوان كأن سورا صوريا بني بينهما افتراضيا.
ما حدث في الشارع وأزعم أنه حدث في كثير من شوارع السعودية التجارية على طريقة التسجيل في الجامعة في أيامنا "حذف وإضافة"، كان استجابة لحاجات الطموحين وصمودهم، لتغيير الصورة الذهنية عن هؤلاء الشباب والمجتمع إجمالا.
وكل عملية بناء أو تطوير جديدة، تمر بمخاض قد لا يكون سالما من المنغصات تماما، فمقاومة التغيير لا تزال نشطة، وسيطرة غير السعوديين على سلاسل التوريد ووظيفة مندوب المبيعات تصنع بعض محاولات الإفشال أو تثبيط الهمم، لكني أشك هذه المرة أنها ستنجح، فمن الواضح أن تصميم الحكومة وهؤلاء الشباب يختلف اختلافا كبيرا هذه المرة.
اخترت عنوان "ينابيع صغيرة" من وحي اسم الشارع " السيل الكبير"، والسيل إذا طرح الله فيه البركة سقى، وغذى الآبار والينابيع، وأرجو ألا يتوقف أو يضعف سيل سعودة الأنشطة التجارية على مستوى القرار، ومستوى استثمار القرار.