الخصوصية .. رأسمال

يكثر تناول قضية تحقيق "بعض" المشاهير عوائد مالية يراها البعض غير مستحقة، خصوصا إذا كانت تدفع من "المال العام" عبر وزارات وجهات حكومية، وما بين "الغبطة" و"الحسد"، يواصل هؤلاء جني ملايين الريالات سنويا عوائد إعلانات مباشرة أو غير مباشرة، وهذه الأخيرة أخطر على التنمية والوعي العام، والصحة -وأستطيع القول- ثقافة الناس.
إذا سلمنا بأن كل عائد أو ربح لا بد أن يأتي من رأسمال، فالسؤال الاقتصادي: كم يبلغ رأسمال بعض هؤلاء المشاهير؟ وإذا قلنا إن بعض العوائد يتحقق بجهد بدني أو ذهني وليس بالضرورة نتيجة وجود رأس المال، فالسؤال البديهي: ما الجهد؟
أعتقد أن رأسمالهم وجهدهم في خصوصيتهم، فهي أول ما يتنازلون عنه، والمقصود هنا خصوصيتهم الشخصية وتفاصيل حياتهم ومعيشتهم، وهو -لو تأملنا قليلا- ليس بالقليل، والأهم أنه شيء لا يمكن استرجاعه بعد إطلاقه.
الحفاظ على سرية المرء في دوائر يحددها، من سمات الإنسان الطبيعي، فهو يحدد من يطلع على تفاصيل حياته تبعا لمكانته، وهو من قبل يضع حدودا وقيودا على "ماهية الخصوصية" التي يستأثر بها، فإحدى أكبر مشكلات الحياة العصرية إجمالا والتواصل الاجتماعي بشكل خاص اليوم، معرفة هذه الماهية بشكل دقيق.
في موضوع الهوية والذات الإنسانية، هناك إشكال حول ملامح وحدود "الذات العامة" وتلك الخاصة، وتباين مستوياتهما بين الأفراد والمجتمعات مقبول ومفهوم تبعا لتجربة كل مجتمع وتجانس أطيافه، وأصحاب الدخول المادية التي يعتقد سهولتها المقصودون أعلاه، باعوا ذاتهم الخاصة للعامة، وبهذا يمكنني القول إنهم سمحوا للجمهور وللمعلن بالتدخل في تشكيل هويتهم الخاصة، وهذا -لعمري- ثمن لو يعلمون عظيم.
ربما يكونون يجنون أموالا تجعل البعض يتحسر على أنه ليس مثلهم، لكن تذكروا أنهم تنازلوا عن حقهم في الذات الخاصة، في المساحة الداخلية أو سمها السرية، التي يمكن لصاحبها أن يعيش أفكارا وأساليب تخصه وحده، كأنها "معيشة تخص المرء وحده" على غرار "غرفة" فرجيينا وولف.
ببساطة، اسأل نفسك: بكم تشتري أن يظل جزء من تفاصيلك، أو حياتك، أو شخصك، أو شخص وتفاصيل من تحب بعيدا مستترا عن أعين الآخرين، وليسوا آخرين محددين هنا، إنهم جميع الناس؟ لا بد أن ذلك يساوي عند العاقل شيئا كثيرا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي