ملامح اقتصادية لتراثنا
من الأكاذيب العربية الشهيرة أن الثقافة “لا تؤكل عيشا”، وهي تبدو من صنع بعض الأنظمة التي كرست لدى المثقف عزلته وقلة حيلته في إحداث التغيير لغاية لا تخفى عليكم.
في السعودية انطلاقات كثيرة نالت الثقافة منها حظا جيدا كبداية، وهو حظ سيجعلها رافدا اقتصاديا مهما بطرق مباشرة، وأخرى غير مباشرة تتحقق مع الزمن.
ملامح اقتصادية لافتة، رأيتها وسمعتها من عبدالرحمن العيدان مدير عام جمعية “نحن تراثنا”، الذي جمعنا به “الوجيه الثقافي” زياد الدريس عضو مجلس إدارة الجمعية وأحد مؤسسيها و”اليونسكي” ــ أو لعلها “اليونسكوي” ــ الشهير، وذلك في قلب معلم تاريخي ثقافي غال، هو أحد قصور الملك عبدالعزيز في منطقة المربع في الرياض.
من هذه الملامح قصتان الأولى هي “ القط” وهو فن عسيري مشهور نجحت السعودية عبر الجمعية في تسجيله ضمن التراث العالمي غير المادي لدى اليونسكو، فما الذي حدث؟ حدث أن كرست القيادة السعودية قيمته عبر تقديم نماذج منه هدايا رسمية في بعض المناسبات، فارتفع الطلب واستفادت المتخصصات في هذا الفن سواء كن من سيدات المنطقة، أو من التشكيليات السعوديات اللاتي تخصصن في هذا الفن.
اليوم حاول أن تحصل على لوحة أو على عمل جداري يمثل القط، ستنتظر طويلا، وستكتشف أن الأسعار زادت، والجودة تألقت، والطلب ليس محليا فقط، إنه يأتي من الخارج أيضا.
الثانية هي قصة البن الخولاني الذي أنهى فريق الجمعية رحلة توثيقه لتقديمه إلى “اليونسكو”؛ بوصفه أحد عناصر التراث الثقافي غير المادي في السعودية، وأيضا في اليمن، وهو البن الذي بفضل هذه التحركات شاعت سمعته أكثر في العالم، وستتحسن أحوال مزارعيه في السعودية واليمن، ومن المتوقع أن يسهم ذلك في تقليص زراعة القات في اليمن لأن زراعة البن باتت أجدى من ناحية العوائد.
ومع القصتين ملمح تنمية اقتصادية بشرية حيث نجحت الجمعية في تأهيل خبيرتين سعوديتين في اليونسكو تخصصتا في التراث الثقافي غير المادي هما رهاف قصاص وابتسام الوهيبي اللتان أصبحتا اسمين سعوديين يقدمان جزءا من حضارتنا للعالم، وغالبا ما تنضم إحداهما أو كلتاهما إلى الوفود الرسمية الكبيرة التي يقودها ولي العهد في زياراته الرسمية كجزء من حرصه واهتمامه بالتنمية الثقافية وعوائدها الحضارية والسياسية والاقتصادية على المدى البعيد.
الثقافة في السعودية ستصنع بعض المال، وكثيرا من الفرق.