رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


أوروبا أمام تحديات ديموغرافية صعبة

بخلاف معظم الدول النامية التي بدأت أوضاعها الديموغرافية تستقر بعد انخفاض معدلات الخصوبة إلى مستويات معقولة، بدأت تواجه أوروبا أزمة ديموغرافية ستوثر حتما في النمو الاقتصادي فيها، فقد ارتفعت نسبة كبار السن من 8 في المائة في عام 1950 إلى 23 في المائة في عام 2020 ومن المتوقع أن تصل إلى 28 في المائة في عام 2050، وعندئذ سيكون نحو نصف السكان (47 في المائة) من كبار السن. وعلى الرغم من أن معظم دول العالم تشهد زيادة في نسب الشيخوخة، فإن أوروبا تعاني أكثر من غيرها، خاصة في جنوبها وشرقها اللذين يشهدان انخفاضا في معدلات الخصوبة وكذلك ارتفاعا في معدلات الهجرة المغادرة التي تتركز – في الغالب – في فئة الشباب. وبوجه عام أصبحت أوروبا أكثر القارات شيخوخة، ما يضعها أمام تحديات صعبة، منها التناقص الفعلي في أعداد السكان الذي سيبدأ بعد هذا العام حسب تقديرات الأمم المتحدة، إضافة إلى انكماش القوى العاملة التي يقدر أن يصل النقص فيها نحو 12 مليونا عما كانت عليه في عام 2010. ولا يقف الوضع عند هذا الحد، بل من المتوقع أن يتناقص بحدود 50 مليونا عما كانت عليه في عام 2010. وتجدر الإشارة إلى أن الشيخوخة لا تقتصر على القارة العجوز، بل أصبحت ظاهرة عالمية، وليس وضع اليابان بأفضل من أوروبا!
والسؤال كيف وصلت أوروبا إلى هذا المستوى المنخفض للخصوبة؟ لا شك أن التحول الديموغرافي من معدلات خصوبة ووفيات مرتفعة إلى معدلات منخفضة استغرق وقتا طويلا، بل إن تجربة أوروبا هي أساس ما يعرف بـنظرية التحول الديموغرافي المعروفة. فقد أدى التحول الصناعي إلى تغير كبير في أنماط الإنتاج، ومن ثم انتقال السكان نحو المدن وتحول وحدة الإنتاج من الأسر إلى المصانع، ما رفع تكلفة الأطفال الذين أصبح توظيفهم يتطلب تعليما جيدا وتخصصا مناسبا، وتبع ذلك دخول المرأة سوق العمل، ومن ثم تأخر سن الزواج، وبالتالي تقليل الإنجاب. أما في الوقت الحاضر، فإن صعوبة التوظيف في معظم دول أوروبا وانخفاض الأجور إلى جانب ضعف السياسات الداعمة للأسر أدى إلى تقليل الإنجاب أو تأجيله، ما انعكس على معدل الخصوبة الكلي الذي لا يتجاوز 1.7 مولود للمرأة، أي دون مستوى الإحلال بكثير. باختصار فإن التحديات التي تواجه أوروبا تتمثل في انخفاض معدلات النمو الاقتصادي، ومن ثم نصيب الفرد من الدخل، نتيجة شيخوخة القوى العاملة وانكماش أعدادها.
إذن، ما الخيارات المتاحة أمام التحديات الكبيرة التي تواجهها أوروبا؟ لا شك أن تبني سياسات تدعم الأسرة تحتل الصدارة في بعض الدول في الوقت الحاضر، فكثير من الدول الأوروبية تتبنى سياسات تهدف لرفع مستوى الخصوبة منها الحوافز الضريبية وإجازات الأمومة، والإعانات الشهرية. ففي إيطاليا يحصل كل زوجين على نحو 800 يورو عند كل ولادة. كذلك يحصل الزوجان على حوافز مماثلة في كل من فرنسا والسويد وبولندا. إلى جانب ذلك تسعى بعض الدول إلى تشجيع كبار السن للالتحاق بالعمل، خاصة بعد نجاح أوروبا في تحسين صحة كبار السن والحد من الإصابة بالإعاقات. وهناك دول تعمل على زيادة استخدام الإنسان الآلي "الروبوت" ليحل محل الإنسان في بعض الأعمال للحد من الطلب على العمالة. وتبقى الهجرة من الخارج هي الخيار الأكثر فاعلية، ولكن الهجرة من الدول النامية لها تأثير في تغيير التركيبة السكانية في أوروبا، وهو الأمر الذي يخشاه كثيرون.
وأخيرا، ما العبرة التي يمكن أن نتعلمها من الأزمة الديموغرافية التي تواجهها أوروبا؟ وهل يمكن أن تواجه الدول العربية التحديات ذاتها؟ وما معدلات الإنجاب المناسبة في دول الخليج العربية، قياسا بمعدل الإحلال البالغ مولودين لكل امرأة، لكي يحلا محل أبويهما؟ الإجابات لا تخفى على صناع القرار ومهندسي السياسات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي