رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


تداعيات سياسة أمريكا النقدية على القطاع غير النفطي الخليجي

معروف أن السياسة النقدية لدول الخليج ذات حساسية قوية للسياسة النقدية الأمريكية. ومصدر هذه الحساسية الربط بالدولار، كليا أو جزئيا. وهو ربط يخدم هذه الدول بما يوفره من ثقة قوية بعملات هذه الدول. ولغير المختصين وبلغة مبسطة يقصد بالسياسة النقدية تدابير تتبناها الدولة للتأثير في العرض النقدي أي كمية النقود المتاحة في السوق لما يرى أنه الأصلح للاقتصاد. من أمثلة أدوات التدابير سعر الفائدة وضوابط التمويل وحجم الاحتياطي الملزم به المصارف.
في الاقتصاد لكل فعل رد فعل بجانبيه المرغوب وغير المرغوب. والعبرة بالأقوى. ربط سعر الصرف يوفر منافع للدول الرابطة. لكنه يضعها تحت تبعات غير مرغوب فيها للسياسة النقدية الأمريكية. والمنافع أعلى بوضوح من هذه التبعات لدول الخليج. وفي هذا طرح سؤال بحثي: هل رفع سعر الفائدة خلال الأربعة أعوام الماضية أثر سلبا في نمو اقتصاد عملته مربوطة بالدولار؟
كان جواب السؤال السابق موضوع أبحاث عديدة. فمثلا، توصل الباحثان Prasad وKhamis في بحث نشر عام 2011، عنوانه "السياسة النقدية وآلية الانتقال في دول مجلس التعاون" Monetary Policy and the Transmission Mechanism in the GCC Countries إلى أن زيادة 150 نقطة في معدل البنك المركزي الأمريكي المعروف اختصارا بـ «FED»، خفضت النشاط غير النفطي الخليجي 1.5 في المائة خلال عامين من الزيادة. وقبل أيام قليلة صدر لباحثين في صندوق النقد الدولي بحث عنوانه U.S Monetary Policy Spillovers to GCC Countries: Do Oil Prices Matters؟ مساهمة هذه الورقة البحثية كانت في إعطاء دليل تطبيقي قياسي -أي معتمد على أدوات الاقتصاد القياسي- على أن حجم تأثير السياسة النقدية الأمريكية في نمو غير القطاع النفطي الخليجي يتأثر بمستويات أسعار النفط. وحسب علمي، هذه أول محاولة بحثية منشورة في هذا الموضوع. طبعا تأثير سعر دخل النفط أمر معروف، لكن الجديد هو إعطاء تقدير كمي لهذا التأثير استنادا إلى منهجية قياسية علمية وليس إلى مجرد تخمينات أو تقديرات معتمدة على نظرة وقراءة سريعة سطحية للأرقام.
تعمل مصارف الخليج المركزية كمؤسسة النقد في بلادنا على الحد من الاختلالات في السوق النقدية. وهذا العمل يدخلها في عمليات إدارة السيولة. ولا أنوي إعطاء مزيد تفاصيل نظرا لضيق الوقت والمساحة المتاحة.

كيف توصل الباحثان إلى ما توصلا إليه؟
اختبرا تأثير معدلات الفائدة الحقيقية الأمريكية والنمو الحقيقي للناتج المحلي الأمريكي، على النمو الحقيقي للناتج المحلي الخليجي غير النفطي. وفي هذا الشأن، أعطى الباحثان اعتبارا لتأثير السعر الحقيقي للنفط في بنية مختارة لمعادلة انحدار Regression على أحد طرفي المعادلة نمو القطاع غير النفطي لدولة خليجية مختارة، أو ما يسمى في رياضيات الانحدار بالمتغير التابع. وعلى الطرف الآخر المتغيرات المتوقع تأثيرها في المتغير التابع. وتسمى تقنيا المتغيرات المستقلة، وهي خمسة. الأول سعر الصرف الثابت للدولة المختارة، والثاني معدل الفائدة الحقيقية الأمريكية، من خلال طرح معدل التضخم للمستهلكين من معدل الفائدة الاسمي. والثالث سعر النفط الحقيقي من خلال مراعاة معدل التضخم، كما عمل في الثاني. والرابع معدل نمو الناتج المحلي الأمريكي الحقيقي.
وأما المتغير الخامس، فمعقد بعض الشيء. يقيس التأثير الكامن -أي المستتر- لسعر النفط في مضاعفات وتأثيرات السياسة النقدية الأمريكية على نمو القطاع غير النفطي الخليجي، أي إن الباحثين حاولا قياس قدر تأثير عمل في عمل آخر الذي هو بنفسه مؤثر في أعمال أخرى.
ما نوع العلاقة بين المتغير التابع -نمو القطاع غير النفطي- والمتغيرات المستقلة؟ العلاقة مع سعر الفائدة الحقيقية الأمريكية عكسية، لأن زيادة الفائدة ترفع التكلفة. أما العلاقة مع الثالث فإيجابية. وكذلك الوضع المتوقع مع الرابع. ذلك أن نمو الاقتصادات الخليجية يتأثر بنمو الاقتصاد العالمي، وعلى رأسه الأمريكي.
ماذا بشأن المتغير المستقل الخامس؟ علاقة إيجابية. ارتفاع أسعار النفط الحقيقية قلل من تأثير السياسة النقدية الأمريكية في نمو القطاع غير النفطي الخليجي. حيث ارتفعت أسعار النفط منذ أواسط العقد الماضي، ووفر هذا الارتفاع لدول الخليج سيولة قللت من تضررها من التغيرات في السياسة النقدية الأمريكية. وهذا خلاف ما حصل في عقد التسعينيات من القرن الميلادي الماضي، حيث كانت أسعار النفط منخفضة بشكل ملحوظ. وقد حدث ذلك في وقت كان القطاع غير النفطي ضعيفا نسبيا.
طبعا التغيرات في مستوى السيولة في أي دولة تؤثر في اقتصادها. وهذه السيولة تؤثر فيها بوضوح في دول الخليج مستويات الأسعار فدخل النفط. وقد توصل الباحثان إلى أن تضاؤلا واضحا لتأثير التغيرات في سعر الفائدة الأمريكية في نمو غير القطاع النفطي، في ظل أسعار النفط الحقيقية السائدة حاليا. لكن من المتوقع أن تقل أهمية أسعار النفط مستقبلا، مع "رؤية 2030" وتشمل سياسات تقلل من الاعتماد على دخل النفط وسياسات مؤدية إلى توازن الميزانية أو تقترب من التوازن. والأمر يتطلب وقتا كافيا لتتوافر بيانات يمكن الرجوع إليها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي