تضخم الذات وتقييم المجتمع
بداية لا بد من الإشارة إلى أن تضخم الذات يقصد به ارتفاع منسوب الـ"أنا"، وابتعادها عن الوضع الطبيعي، حيث تكون ذات الفرد هي نقطة التمركز؛ بما ينشأ عن ذلك من غرور، وإعجاب، وأنانية مفرطة تظهر على السلوك عند التعامل مع الآخرين، إذ تظهر الفوقية، والنظرة الدونية، بما في ذلك تسفيه آرائهم، وقدح أفكارهم، والنيل منهم في كل شاردة، وواردة.
الرضا عن الذات الذي يصل إلى حد تقديسها يمثل حالة مرضية؛ لأي فرد قد يصاب بداء تضخم الذات، حتى يعتقد أن رأيه هو الصواب، وما عداه ما هو إلا هراء يجب ألا ينظر إليه، ولا يعطى أي اعتبار، ولو قدر لمتضخم الذات وترأس إدارة لما أولى اهتماما لما يقدم له من نصائح لإصلاح وضع غير سوي في المنظمة التي يقودها، عادا الاقتراح لا قيمة له، وما يراه ويعتقده في إدارة الوضع هو الصواب الذي يصب في مصلحة المنظمة، وينظر إلى الاقتراح باعتباره مذمة، وقدحا به وبإدارته.
متضخم الذات يطربه المدح، والثناء، حتى على الأمور التافهة السخيفة، ولذا تجده يقرب من يثني عليه، ويمدحه لما يشعره به من راحة نفسية داخله، ولذا يستغل النفعيون هذا الوضع بهدف التقرب من المسؤول متضخم الذات؛ لتحقيق المنافع الذاتية؛ بما تجود به ألسنتهم من مدح كاذب، كما يستبعد، ويهمش من يبدي رأيا مخالفا، أو ينتقد وضعا قائما في المنظمة، عادا النقد لذاته، ولو تأمل الفرد الإنجازات التي يمدح من أجلها المسؤول لما وجد غير السراب، إذ لا تعدو سوى تصريحات لا قيمة لها في واقع العمل.
متضخم الذات تجده يتصدر المجالس على اعتبار أن ما يقوله درر، وجواهر، وأفكار نيرة، وحكم يعجز الحكماء عن الإتيان بمثلها، كما أن متضخم الذات يسعى جاهدا، وبكل الطرق إلى الظهور الإعلامي للتعليق على حدث هنا، أو هناك، ومن يشاهد القنوات الفضائية ير نماذج متضخمي الذات يتكرر ظهورهم، مع أنهم لا يقدمون في تحليلاتهم شيئا، ذا قيمة، أو معنى.
تضخم الذات لا يقتصر على فئة دون غيرها إذ يصاب به المتعلم، والجاهل، والغني، والفقير، والكبير، والصغير، والسياسي، والعسكري، والمدني، وذلك نتيجة التنشئة المنزلية، أو نجاح في تجارة، أو مركز وظيفي حصل عليه ولو مصادفة، أو تحصيل علمي .
لتضخم الذات أسباب كثيرة، منها التنشئة المنزلية التي يتحاشى فيها الوالدان النقد الصائب؛ ظنا منهم أنه يجرح المشاعر، كما أنهما يضخمان، وبصورة مبالغة أي عمل يقوم به الابن؛ ظنا منهما أنه يكسبه الثقة بالنفس، كما أن من الأسباب الجهل بالنفس الإنسانية، وتعقد تركيبها (وفي أنفسكم أفلا تبصرون)، والتحولات السريعة، والمفاجئة التي تمر بها دون توقف، ومراجعة، وتأمل للتغير الذي يطرأ على الفرد، ولذا نجد البعض يتنكر لأقاربه، وأصدقائه لحصوله على درجة علمية عالية، أو منصب، ويصاب بالغرور، والتكبر، حتى يعتقد أن ما تحقق له لذكائه، وقدراته التي لا توجد إلا لديه.
الشلة المحيطة بالفرد لها دورها في تغذية نبتة التضخم فما يسمعه من مدح، وتزكية من الآخرين يمثل غذاء للنبتة؛ كي تنمو، وتكبر، وقد يصاحب هذا الوضع افتقاد المخلصين الموضوعيين، الذين يسدون النصح، وبينون الخلل في السلوك، أو القرار، والإدارة؛ لتصل إلى مرحلة مزعجة.
عبر التاريخ اشتهرت شخصيات يمكن وصفها بتضخم الذات، ولو قدر للمرء تحليل سلوكهم، وكتاباتهم، وشعرهم؛ لتأكد من إصابتهم بتضخم الذات، وقد عبر المتنبي عن تضخم الذات بقوله:
وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام
في البيت يتبين لنا أثر تضخم الذات في الآخرين المحيطين، إذ يصعب عليهم معرفة ما يريد، وما لا يريد، وما الذي يرضيه، وما لا يرضيه، فتقلب المزاج يعد سمة، واضحة عند متضخمي الذات، إضافة إلى النرجسية التي تعيق التعامل الجيد.
وفي ظني أن الاضطراب الذي وجد في علاقات المتنبي مع الحكام، والمحيطين به؛ مبعثه تضخم الذات الشديد، ويتضح الأمر من شعره الناضح بتمجيد الذات، ومدحها، وعلى سبيل المثال لا الحصر قوله في ذاته:
الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم