رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


اتهام وإدانة الثقافة

هل يوجد ما يمكن تسميته اتهاما وإدانة الثقافة؟ سؤال طرحته على نفسي محاولا الإجابة عنه من خلال التفتيش في سياق التفاعل الذي يوجد بين البشر، على جميع الكرة الأرضية؛ مع التأسيس للنقاش في هذا الموضوع؛ بناء على قواعد، وأسس متعارف عليها من خلال خبرة الناس، وتجاربهم، وما اشتقوه من معارك الحياة من أمثلة معبرة عن خلاصة التجارب، كالمثل القائل:« لكل امرئ من دهره ما تعودا»، كما أن من القواعد ما يلاحظه الفرد حينما يكون وسط ثقافة مختلفة عن ثقافته التي تربى عليها، فسيكون قادرا، وبشكل واضح على إدراك الاختلاف بينه وبين أبناء الوطن الذي يزوره، واتخاذ موقف من ممارسات يقوم بها أبناء المجتمع الذي قام بزيارته.
قد تكون ردود فعله إزاء بعض الممارسات إيجابية، أو سلبية، ولو سئل عن سبب ردود فعله السلبية لما أعطى تبريرا علميا، أو منطقيا لرد الفعل السلبي، وإنما غالبا يكون السبب مجرد اختلاف ثقافة المجتمع الذي زاره عن ثقافته التي عاشها، وتربى عليها، وفي هذا معنى النظرة الفوقية لثقافته، ونظرة الدونية لثقافة الآخر، ولعل في المثال التالي ما يؤكد هذه الحقيقة، إذ في زيارة للهند قامت بها الإعلامية الأمريكية أوبرا وينفري صاحبة البرنامج الشهير الذي يحمل اسمها لاحظت أكل الهنود بأيديهم، فانتقدت هذه الممارسة، فكان الرد من الهنود أن هذه طريقتنا، ولا نخجل منها، ليشكل هذا الرد الاعتزاز بثقافة طريقة الأكل دون تنازل، أو شعور بالخجل، وما من شك أن انتقادها لم يكن مبنيا على أساس علمي مرتبط بالصحة، فأكل الإنسان بيده أكثر ضمانا للصحة إذا ما قورن بالأكل بالملعقة، والشوكة التي تستخدم من عشرات الناس في اليوم الواحد.
المحفز لأوبرا في انتقادها طريقة الأكل مرده في ظني النظرة الثقافية، إذ تعتقد أن ثقافتها التي اعتادت عليها هي الأصل، وما عداها الهامش الذي يفترض التخلي عنه، والأخذ بثقافة دولة القوة العظمى؛ انتقاد ممارسات الآخرين أمر يتكرر في وسائل الإعلام، والمنتديات، وعلى ألسنة السياسيين، بل المفكرين، والمثقفين، والرحالة الذين يجوبون العالم، ويشاهدون، ويدونون، ويصورون سلوك، وتصرفات المجتمعات الأخرى، ولا تخلو كتاباتهم من لمز، ونقد لهذه الثقافات.
يتناول كثيرا الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن في تصريحاته عندما كان على سدة الحكم العلاقة بين الدول، والمجتمعات مركزا على الجانب الثقافي مدعيا أن العرب والمسلمين يحاولون تغيير طريقة حياتهم، دون إعطاء الدليل على ادعائه هذا، ولعل السبب يعود إلى شعور الغرور الذي يعيشه، وحالة الاعتزاز القوية بثقافته، حتى مع ما يوجد فيها من سلبيات.
ومن أبرز تصريحاته المتناقضة قوله إن مجتمعات المنطقة العربية يعشقون أسلوب حياتنا، وشطائرنا، وهذا يؤكد النظرة العلوية لثقافته، والدونية لثقافة الآخر، فالشطائر الأمريكية "السندوتشات" لا يوجد ما يثبت قيمتها الغذائية بل إن الأبحاث أثبتت أضرارا صحية جمة لها؛ لكونها مشبعة بالدهون، ومكوناتها مضرة بالصحة.
لقد تعمد سياسيو الغرب، ومثقفوه، وأعلامه على الصياح طويلا بإلصاق تهمة الإرهاب بالثقافتين العربية والإسلامية دون دليل علمي وفي ذلك تنزيه للثقافة الغربية، حتى وجد من العرب والمسلمين من صدق الفرية وتبناها وأخذ يدفع هذا الافتراء لجهله، أو قوة تأثير الادعاء.
لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار ثقافة من الثقافات أنها متخلفة، ويجب التخلي عنها، والأخذ بثقافة أخرى بديلة، لكن قد نجد في كل ثقافة عناصر قوة، وعناصر أخرى ضعيفة، وهذا يقتضي الغربلة الذاتية من قبل أبناء الثقافة ذاتها لفرز الجيد من الثقافة، والاهتمام به، وتثبيته لدى الأجيال، وتحديد الرديء في الثقافة، والتخلص منه، فعلى سبيل المثال تشدد ثقافتنا الإسلامية على احترام كبير السن، وتوقيره، والعناية به "ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما"، "ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا"، فهل نقلد الغرب الذي أوجد ثقافة الإيواء لكبار السن، حتى لو كان لهم أبناء، وأقارب؟ وهل يشعر الغرب بصحة، وسلامة ثقافته هذه؟
لا شك أن الغرور الثقافي ليس بسبب تميز الثقافة في حد ذاتها وإنما امتلاك القوة الاقتصادية، والعسكرية، والسياسية، والإعلامية التي تروج، وتحسن الثقافة، وتزينها في عيون الآخرين، حتى يبدأ الآخرون يشكون في ثقافتهم، ويتقمصون شيئا وإن كان رديئا من ثقافة الآخر، وهذا يؤكده الافتتان الواضح بالثقافة الغربية لامتلاكها عناصر القوة، كما أنه عبر التاريخ يلاحظ تقليد الضعيف للقوي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي