بوابة الدرعية .. موطن التاريخ والملوك والأبطال

بوابة الدرعية .. موطن التاريخ والملوك والأبطال

ابتهجت الرياض بتدشين مشروع "بوابة الدرعية"، المكان الذي كان موطنا للتاريخ والملوك والأبطال، ويروي في طياته قصة أمة، وامتدادا للمستقبل، إذ سيشهد إحياء أكبر المدن الطينية على مستوى العالم، لتصبح وجهة عالمية في مجال الثقافة والتراث، بأسلوب عصري فريد.
التدشين التاريخي الذي شهدته الدرعية أمس، يذكرنا بجذور الدرعية وتأسيس الدولة السعودية الأولى فيها عام 1744، التي استمرت عاصمة للدولة 76 عاما، وانطلقت منها دعائم بناء الدولة وملحمة الوحدة الوطنية، ووجدت اهتماما منقطع النظير من الملك سلمان بن عبدالعزيز، منذ أن كان أميرا لمنطقة الرياض، إيمانا منه بأن عراقة الماضي طريق إلى المستقبل المضيء.

مهد انطلاق السعودية
الدرعية اسم قبيلة استوطنت وادي حنيفة، فهي حصن الدروع، ويؤرخ تاريخ قدومهم لتأسيس الدرعية عام 1446، بحسب بيانات الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني.
تبعد الدرعية عن مركز مدينة الرياض نحو 20 كيلو مترا، وترتفع عن سطح البحر نحو 700 متر، وهي موطن أسرة آل سعود، وتكمن أهميتها في كونها كانت انطلاق الدولة السعودية الأولى، التي اشتهر أئمتها بالعلم والعدل والحزم والالتزام بالقيم الدينية والتمسك بروح العقيدة الإسلامية والعادات والتقاليد الحميدة، وترسيخ روح المواطنة، فاستتب الأمن وعاش الناس مطمئنين في حياتهم.
ورغم البيئة الصحراوية الصعبة، إلا أن الدرعية كانت مركزا لطرق التجارة والحج، ورابطا حيويا بين آسيا وأوروبا وإفريقيا، واستمرت إلى أن ألحق جيوش الدولة العثمانية الغازية التدمير بها عام 1818، وخلت من ساكنيها أعواما طويلة.
تتميز بيوت الدرعية بطرازها المعماري الفريد والزخارف الهندسية المبهرة التي تبدو جلية للعيان في مكوناتها الطينية، وتضم الساحات والأزقة والأبراج التي تعرض العمارة النجدية وتعكس أساليب الحياة التقليدية للمملكة.
لعل التاريخ العريق المرتبط بهذا الموقع هو ما أهلها لانتزاع اعتراف «اليونيسكو» بإضافتها إلى قائمة التراث العمراني العالمي في عام 2010، من خلال حي الطريف التاريخي، الذي اعتمد مخططاته ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ويحتضن مباني أثرية وقصورا ومعالم تاريخية، وتضم مشاريعه متاحف مختلفة، مثل متحف الحياة الاجتماعية، والمتحف الحربي، ومتحف التجارة والمال، ومتحف الخيل العربي الشهير، الثاني من نوعه عالميا بعد معرض الحصان العربي في متحف الخيل في مدينة ليكسنجتون، في ولاية كنتاكي الأمريكية، ويعرض تاريخ الخيول وأنسابها، ومستلزمات الفروسية، ومشغولات فنية، ومعروضات تفاعلية عن دور الحصان في التاريخ السعودي، وسيقدم عروضا حية للخيول الأصيلة.

البداية في 2020
يبدأ العمل في بوابة الدرعية، أو "جوهرة السعودية" كما يطلق عليها السعوديون وأهالي المنطقة، في شهر يناير من عام 2020، في مشروع يمتد على مساحة سبعة كيلو مترات مربعة، ويتضمن نحو 200 مبنى، تخدم جميع الأنشطة والفعاليات، وهي واحدة من الوجهات السياحية والثقافية والاجتماعية بطابع تراثي، وتضم مجموعة متنوعة من المتاحف والمعارض، إضافة إلى تشكيلة من التجارب الثقافية والتعليمية، ومضمار سباق للفورمولا - إي، ومساحات تتسع لـ 15 ألف مقعد، كما ستضم أكثر من 20 علامة تجارية فاخرة رائدة عالميا في عالم الضيافة، بما في ذلك منتجعات "أمان" التي ستحظى بإطلالات خلابة، وتتكون من 40 غرفة.
وإضافة إلى كونها موطنا للعلامات التجارية الفاخرة، ستحتضن الدرعية في شكلها الجديد أكثر من 100 مقهى ومطعم، ونحو 13 فندقا على الطراز العالمي، تشكل عنصر جذب سياحي، إلى جانب حي البجيري وسط الدرعية، الذي يعد المدخل الرئيس لحي الطريف، ذي القيمة التاريخية.
كما تتضمن بوابة الدرعية أحد أهم ملاعب الجولف الرائدة في العالم، مكونا من 27 حفرة في وادي صفار في الدرعية، ومراكز للفروسية في الوادي نفسه بالتعاون مع الاتحاد السعودي للفروسية، وستحتضن بدءا من الأيام المقبلة مناسبات عالمية ضمن موسم الدرعية، كسباق السيارات، وأهم النزالات في تاريخ الملاكمة الحديثة، يخوض فيها أبطال العالم للوزن الثقيل أنتوني جوشوا وأندي رويز جونيور "نزال الدرعية التاريخي" في 7 ديسمبر المقبل.
وكانت الدرعية قد شهدت تدشين حي البجيري في عام 2015، ويتضمن منطقة مركزية تضم 30 محلا تجاريا ومقاهي ومطاعم وأماكن للجلوس، وساحة تستخدم لإقامة العروض الفلكلورية والفعاليات الموسمية، وترتبط بسلالم مع مواقف عامة للسيارات أقيمت في قبو الساحة، تستوعب أكثر من 230 سيارة، ومتنزها يطل على وادي حنيفة، التي تشكل مع بوابة الدرعية مساحة هائلة من التراث والثقافة والفنون.


تنمية المجتمع المحلي
بوابة الدرعية نموذج فريد لاستفادة المجتمع المحلي من الثقافة والتراث والفنون، يوفر 55 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة، بحسب تصريح جيري انزيريلو الرئيس التنفيذي لهيئة تطوير بوابة الدرعية في إحدى جلسات منتدى مسك العالمي الأسبوع الماضي، مستفيدا من نظام التأشيرة السياحية الإلكترونية التي تتيح للسياح والزوار مشاهدة حضارة المملكة، والاستمتاع بتجربة فريدة، وترسيخ صورة نمطية تليق بشعبها وحضارتها.
يأتي ذلك في الوقت الذي عد فيه رئيس هيئة بوابة الدرعية السعوديين يرسمون مستقبلهم ويشاركون فيه من خلال هذا المشروع الطموح، إذ يعد 15 في المائة من موظفيهم هم من مجتمع الدرعية، في حين تبلغ نسبة السعوديين في الهيئة 80 في المائة، 30 في المائة منهم من النساء السعوديات، إضافة إلى نخبة من الخبرات العالمية، يقودون معا التغيير في موقع تاريخي ذي إطلالة فريدة على وادي حنيفة، سيكون رمزا ثقافيا عالميا، وواحدا من أعظم أماكن التجمع في العالم.

متحف للفن المعاصر
هيئة تطوير بوابة الدرعية أدركت باكرا أهمية إبراز ثقافة وتراث المملكة، ولا سيما من الدرعية، فوقعت مذكرة تفاهم مع وزارة الثقافة لتأسيس المتحف السعودي للفن المعاصر في حي البجيري، ليروج المتحف لأفضل القطع الفنية المعاصرة، ومركز للهوية البصرية.

الأكثر قراءة