هوية الجامعات السعودية وتمايزها
نظمت وكالة البحث والابتكار في وزارة التعليم في نهاية الأسبوع الماضي ورشة عمل للجامعات السعودية، بهدف رسم استراتيجيات للبحث العلمي والابتكار، تتسم بالواقعية والفاعلية، وتسهم في تحقيق الأولويات الوطنية عموما، وتخدم المجتمعات المحلية خصوصا، ذلك بالاعتماد على دراسة واقع الجامعات والمناطق التي تقع فيها وتخدمها، بدلا من إيجاد نسخ متشابهة من الجامعات نتيجة التقليد، من دون مراعاة لخصائص كل جامعة وتباين المناطق التي توجد فيها. تهدف الوزارة من خلال هذه الورشة إلى زيادة فاعلية دعم البحث العلمي وتعزيز أثره الاجتماعي والتنموي، من خلال قيام كل جامعة بتحديد الأولويات البحثية الخاصة بها، بناء على دراسة دقيقة لإمكاناتها التخصصية، والبيئة التحتية لديها، إلى جانب توافر الكفاءات العلمية المتخصصة من جهة، والأولويات الوطنية، وطبيعة إمكانات المناطق التي تقع فيها كل جامعة، والاحتياجات التنموية لها من جهة أخرى.
خطوة رائعة ستؤدي –بإذن الله- إلى زيادة فاعلية كل جامعة، وإلى زيادة جودة مخرجاتها البحثية خصوصا، والعلمية والتعليمية عموما. شارك في هذه الورش مدير جامعة الملك فيصل في الأحساء، فقدم نموذجا لتوجه الجامعة نحو تحديد هوية مناسبة لها، تقوم على دراسة شاملة للعوامل الخارجية، مثل الإمكانات التنموية لمحافظة الأحساء واحتياجاتها، وأهداف رؤية المملكة 2030 التي ركزت على الأمن التنموي والغذائي، وكذلك التحديات التي تواجه المملكة، والتقاطع مع برنامج تطوير الصناعات الوطنية والخدمات اللوجيستية في مجال الصناعات الغذائية، علاوة على الطلب الكبير في المملكة على التقنيات الزراعية وتطبيقاتها على الاستدامة البيئية، وكذلك صدور استراتيجيات وطنية للأمن الغذائي، والمياه، والبيئة، وأيضا التوافق مع أهداف التنمية المستدامة الدولية 2030 التي أقرتها منظمة الأمم المتحدة SDG. من جهة أخرى، اعتمد تحديد هوية جامعة الملك فيصل في الأحساء على الإمكانات الداخلية للجامعة، أي نقاط القوة لدى الجامعة، ومنها: توافر المعرفة والخبرة التراكمية في مجالات الأمن الغذائي والاستدامة البيئية، من خلال احتضان الجامعة عددا من الكليات المتخصصة في العلوم الزراعية والأغذية، والطب البيطري، إضافة إلى 13 كلية أخرى داعمة، إلى جانب وجود مراكز بحثية متخصصة في التمور، الإبل، الدراسات المائية، الثروة السمكية، والطيور.
وتوصلت الجامعة بعد دراسة معمقة إلى التركيز على "الأمن الغذائي" و"الاستدامة البيئية"، ومن ثم تسخير قدرات الكليات على اختلافها لتحقيق الأهداف الاستراتيجية للجامعة في هذين المجالين، المتمثلة في خمس ركائز أو أركان هي: توافر الأغذية، إمكانية الحصول عليها، استخدامها، استقرار إمداداتها، والحفاظ الأمثل على المصادر الطبيعية واستدامتها.
هذه لمحات بسيطة لما ورد في محاضرة مدير جامعة الملك فيصل الرائعة، ولن أتناول ما ورد عن دور الكليات المحورية في تحقيق هوية الجامعة واتجاهاتها البحثية، مثل كلية العلوم الزراعية والأغذية أو الطب البيطري، لكن سأشير إلى دور بعض الكليات التي قد يعتقد القارئ أنها بعيدة عن توجهات الجامعة الاستراتيجية وتركيزها على الأمن الغذائي والاستدامة البيئية. على سبيل المثال، يمكن لكلية علوم الحاسب التركيز على المستشعرات الزراعية، وكلية الصيدلة على تطوير منتجات دوائية من النباتات الصحراوية، كما يمكن لكلية الآداب أن تهتم بدراسات السياحة البيئية والريفية، وأن تهتم كلية الحقوق بالتشريعات والسياسات الزراعية والبيئية.
ختاما، آمل أن تتكلل جهود الوزارة بتحقيق هذا الهدف النبيل الذي طالما طالبت به –أنا وغيري– في مقالات سابقة، لما لذلك من نهوض بجامعاتنا وتعظيم لدورها في خدمة التنمية في بلادنا عموما، ورفع جودة البحث العلمي وزيادة أثره الاجتماعي خصوصا. وهذا سيحد من الهدر في دعم البحث العلمي على بحوث ليس لها مردود علمي أو فائدة للمجتمع. أخيرا، لا شك أن تجربة جامعة الملك فيصل في الأحساء تعد مثالا رائعا في هذا الاتجاه، يستحق التقدير والإعجاب، وينبغي أن يحتذى به!