تقوية الصلة بين السياسات والناس
عن طريق توثيق الصلة بين السياسات وحياة الناس، وعن طريق إنجاز نتائج من أجلكم، أطرح ثلاث أولويات:
الأساسيات الاقتصادية:
إحدى هذه الأولويات هي التركيز على الأساسيات الاقتصادية؛ وهذه هي نقطة البداية دائما لخبراء الصندوق. فهم يقرون دوما بأن السياسات الاقتصادية السليمة ليست غاية في حد ذاتها، بل هي وسيلة لبناء مجتمعات أكثر رخاء.
لقد شهدت شخصيا مدى قوة السياسات الجيدة ومدى تأثير السياسات السيئة، فأثناء أزمة العملة في بلغاريا في فترة التسعينيات خسرت أمي 98 في المائة من مدخرات عمرها بسبب التضخم المفرط.
وتحضرني دائما هذه الذكرى كلما نظرت في برامج الإصلاح الاقتصادي.
ومن الأمثلة الجيدة في هذا الصدد: جامايكا حيث حقق برنامجان إصلاحيان يدعمهما الصندوق نتائج ملموسة، تمثلت في انخفاض الدين العام بنسبة 50 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، وتراجع معدل البطالة إلى أدنى مستوياته تاريخيا، واستقرار التضخم.
وأود أن أهنئ حكومة جامايكا على فكرها الإبداعي من أجل إشراك المجتمع باستخدام موسيقى الريجي من أجل نشر الوعي بمزايا التضخم المنخفض. ولا يزال هذا التركيز على النتائج هو القوة الدافعة لهذا التقدم المستمر في منهج الصندوق، من حيث تحسين تصميم برامجنا الإقراضية، بما في ذلك توسيع نطاق الدعم للبلدان منخفضة الدخل بسعر فائدة صفري؛ وتحسين عملنا الرقابي لتعزيز فعاليته؛ وزيادة دمج تنمية القدرات في أعمالنا الرقابية والإقراضية.
وفي ظل الآفاق المحفوفة بالمخاطر لا بد أن نتقدم أكثر على هذا الدرب.
وهذا يعني مزيدا من التركيز على البلدان التي ستتأثر بشدة في حالة الهبوط الاقتصادي، كالدول الهشة على سبيل المثال؛ واستخدام أدواتنا بفعالية أكبر، بما فيها الأدوات الاحترازية.
وفوق كل ذلك، فإنه يعني زيادة اتساق جهودنا مع ظروف كل بلد على حدة، وبهذه الطريقة يصبح بإمكاننا تقديم خدمات أفضل لكم.
النمو الاحتوائي
الأولوية الثانية هي التركيز على أكثر ما يهم الناس في حياتهم اليومية.
فتوفير وظائف أفضل بأجور أعلى، وزيادة فرص الحصول على التمويل، وإتاحة مزيد من الفرص للنساء والشباب، هي جميعا مجالات يتعين علينا دعمها بمزيد من الإصلاحات الفعالة والاستثمارات العامة والخاصة.
وسيساعد ذلك البلدان على جعل اقتصاداتها أكثر تنافسية وكذلك أكثر احتواء للجميع. فالهدف هو إطلاق الإمكانات الكاملة لرأس المال البشري في كل البلدان.
وبعبارة أخرى، إذا أردتم أن تصبحوا أثرياء غدا، استثمروا في شعوبكم اليوم.
وبالتالي كان من الملائم أن يعزز الصندوق مشاركته بدرجة كبيرة في قضايا الإنفاق الاجتماعي.
في غانا، بالمساعدة على إيجاد الحيز المالي لزيادة الإنفاق على التعليم. وفي جورجيا، عن طريق دعم الجهود لزيادة الحد الأدنى لمعاشات التقاعد الحكومية. وفي مصر، بالمساعدة على توسيع نطاق برنامج للتحويلات النقدية للأسر الأكثر فقرا.
وفي كثير من البلدان، بالمساعدة على زيادة الإيرادات العامة، وهو أمر ضروري للتقدم نحو تحقيق "أهداف التنمية المستدامة".
وسنحافظ على هذا الزخم ونواصل البناء على مواطن قوة الصندوق. فعضويتنا العالمية تمنحنا منظورا مميزا عبر مختلف البلدان؛ ومنظورا مميزا على مر الزمن، 75 عاما من الخبرة نحتفل بمرورها هذا العام. ويعلمنا التاريخ أيضا أن نجاحنا يتوقف على الشراكات القوية، بما في ذلك مع المنظمات الدولية الأخرى، مثل البنك الدولي.
فلننظر فيما حققته جهودنا المشتركة حتى الآن: من تخفيف أعباء الديون عن البلدان منخفضة الدخل إلى عمليات تقييم الاستقرار المالي في مجموعة واسعة من البلدان، إلى المشاركة الفعالة في العمل المعني بالتكنولوجيا المالية وانعكاساتها على كل البلدان.
وأتعهد بالعمل مع ديفيد مالباس لتوسيع نطاق تعاوننا في أهم المجالات المؤثرة في الاقتصاد الكلي، وكذلك في المستوى الميداني في البلدان المرتبطة ببرامج معنا.
ويقودني هذا إلى الأولوية الثالثة، أي تنشيط التعاون الدولي.
كنت دائما أشعر بالإعجاب إزاء التزام الصندوق ببناء الجسور بين الأمم. وفي الوقت الذي تصبح فيه بعض البلدان أكثر ترددا في التواصل عبر الحدود، يصبح الاقتصاد العالمي أكثر تشابكا.
وهناك كثير من القضايا لا يمكن التصدي لها بفاعلية إلا بالعمل معا. والتحرك بشأن المناخ هو إحدى هذه القضايا. وفي هذا الخصوص أشعر بحافز كبير لمتابعة جهود الصندوق المستمرة بشأن تخفيف آثار تغير المناخ والتكيف معها، خاصة بشأن تسعير الكربون وبناء الصلابة في مواجهة هذا التغير. والتحرك بشأن التجارة يتطلب بدوره تعاونا دوليا أكثر، وليس أقل.
والأمر ذاته يسري على العمل في مجالات ضرائب الشركات، والتنظيم المالي، ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وفي هذه الآونة التي تتسم بزيادة عدم اليقين، نحتاج أيضا إلى شبكة أمان مالي عالمية قوية، وفي القلب منها صندوق نقد دولي يمتلك الموارد الكافية.
إن حماية قوة الصندوق المالية تمثل أولوية قصوى تقترن بمواصلة الجهود لضمان أن يصبح نظام حوكمة الصندوق أكثر تعبيرا عن عضويته بطابعه الديناميكي. وحول هذه المسألة الحيوية يسرني أن أحيطكم بأنه في وقت سابق من هذا الصباح أعلنت اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية تأييدها مجموعة من الإجراءات كي تضمن أن يظل الصندوق متمتعا بالموارد الكافية لبث الثقة التامة بقدرته على تقديم الدعم الكافي لبلدانه الأعضاء وأن تستمر إصلاحات نظام الحصص والحوكمة في ظل المراجعة العامة الـ16 للحصص.
وتوافر الموارد الكافية للصندوق، وتمثيله الملائم للبلدان الأعضاء سيجعلانه أكثر فاعلية في تلبية احتياجاتكم. وزيادة الفعالية تعني أيضا مواصلة التعلم من التجارب، وفي الوقت نفسه، مواصلة تحديث الصندوق، بتبسيط نظمنا، والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة، وزيادة التنوع في مواردنا البشرية وهي أكبر ثروة لدى الصندوق. أكبر ثروة لديكم.
إن خدمة بلداننا الأعضاء البالغ عددها 189 بلدا، كبيرها وصغيرها، غنيها وفقيرها، هي أعظم تشريف في حياتي. لكوني قد نشأت خلف الستار الحديدي، لم أكن أتوقع قط أن أقود صندوق النقد الدولي. وهذه التجربة تحمل في طياتها درسا بسيطا: لا شيء مستحيلا. وعجلة التغيير لا يمكن إيقافها. ونحن قادرون على بناء عالم أفضل.