السياسة النقدية وتعزيز الاستقرار المالي
أولويات السياسات لتأمين نمو أقوى وأكثر صلابة باستخدام السياسة النقدية بحكمة وتعزيز الاستقرار المالي، ولا بد أن أبدأ بالسياسة النقدية والاستقرار المالي. إن البنوك المركزية حول العالم تعمل جاهدة على تحقيق المهام المنوطة بها في ظل ظروف عصيبة. ويمثل استقلال هذه المصارف الأساس الذي تقوم عليه السياسة النقدية السليمة.
فكيف يمكنها الوفاء بمهامها على أفضل وجه ممكن؟ عليها الإفصاح عن خططها بوضوح، والاستمرار في الاعتماد على البيانات، وكذلك الحفاظ على انخفاض أسعار الفائدة حيثما كان ذلك ملائما، خاصة بالنظر إلى استمرار مستوى التضخم المنخفض في كثير من البلدان وتراجع النمو الكلي.
غير أن أسعار الفائدة منخفضة جدا بالفعل أو حتى سلبية في كثير من الاقتصادات المتقدمة. وبالتالي قد يكون الحيز محدودا في هذه البلدان لعمل مزيد باستخدام الأدوات التقليدية.
وتأتي أسعار الفائدة المنخفضة لفترة طويلة بآثار جانبية سلبية وعواقب غير مقصودة أيضا. انظروا إلى صناديق التقاعد وشركات التأمين على الحياة التي تقوم باستثمارات تحيط بها مخاطر أكبر حتى تتمكن من تحقيق عائداتها المستهدفة. وفي عملنا الرقابي نرى هذه الزيادة في تحمل المخاطر من جانب المستثمرين على مستوى العالم كله.
وكل هذا يوجد مواطن الضعف المالي. ففي بعض البلدان تستخدم الشركات أسعار الفائدة المنخفضة لمراكمة الديون من أجل تمويل عمليات الدمج والاستحواذ بدلا من الاستثمار.
وتشير تحليلاتنا الجديدة إلى أن حدوث تباطؤ كبير في النشاط الاقتصادي من شأنه أن يرفع دين الشركات المعرضة لمخاطر عدم السداد إلى 19 تريليون دولار، أو نحو 40 في المائة من الدين الكلي في ثمانية اقتصادات رئيسة، وهو مستوى أعلى من المستويات المشاهدة أثناء الأزمة المالية.
كذلك فإن أسعار الفائدة المنخفضة تحث المستثمرين على البحث عن عائدات أعلى في الأسواق الصاعدة. ويترك هذا كثيرا من الاقتصادات الأصغر معرضا لحدوث تحول مفاجئ في تدفقات رؤوس الأموال.
وبالتالي نحن بحاجة إلى أدوات للسلامة الاحترازية الكلية. ويمكننا استخدام مناهج جديدة لتحسين إدارة الدين، والمد من دورات الانتعاش والركود المالي، واحتواء التقلب.
لكن ينبغي أن نذكر شيئا بكل وضوح: السياسات النقدية والمالية لا يمكن أن تنجز المهمة وحدها، ويجب أن تقوم سياسة المالية العامة بدور محوري.
وقد سمعت مقولة: إن عمل الصندوق "ينصب معظمه على المالية العامة". واتساقا مع المتوقع مني سأركز الآن على سياسة المالية العامة.
إن استخدام أدوات المالية العامة لمواجهة التحديات الراهنة بالنسبة للبلدان التي تمتلك حيزا يمكن استخدامه في ميزانياتها العامة، وحان الوقت كي تستخدم إمكانات المالية العامة أو تستعد لاستخدامها. والواقع أن أسعار الفائدة المنخفضة قد تتيح لبعض صناع السياسات أموالا إضافية للإنفاق.
ففي بلدان مثل ألمانيا وهولندا وكوريا الجنوبية، ستساعد زيادة الإنفاق خاصة على البنية التحتية وأعمال البحوث والتطوير على إعطاء دفعة للطلب وتعزيز النمو الممكن. ولن تفيد هذه المشورة في كل مكان. فالدين العام العالمي يقترب من مستويات غير مسبوقة. وبالتالي لا يزال هناك ما يدعو إلى التقشف المالي في البلدان التي تتسم بارتفاع نسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي.
وستعمل البلدان بالطبع على تصميم السياسات على النحو الذي يناسبها. لكن في كل بلد، ينبغي دائما تخفيض الدين والعجز بطريقة توفر الحماية للتعليم والصحة والوظائف. وينبغي لكل بلد أن يسعى إلى معرفة من أين يمكن الحصول على مصادر جديدة للنمو في عالم سريع التغير. وأعتقد أن التركيز على الأساسيات يمكن أن يساعد في هذا الخصوص.
ومن السبل الممكنة لإيجاد حيز أكبر في المالية العامة تعبئة الإيرادات المحلية. والحد من الفساد واستخدام الأدوات الرقمية في تحصيل الضرائب يمكن إطلاق الموارد وتشجيع القيام باستثمارات جديدة في البشر. ومن الممكن أيضا أن تساعد البلدان على تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030.
إن تنفيذ الإصلاحات الهيكلية من أجل النمو المستقبلي، وبينما تقرر البلدان أي السياسات يلائم المرحلة الراهنة أكثر من غيره ينبغي أن تظل أعيننا جميعا مركزة على الأفق.
فاحتمال فقدان الوظائف بسبب الأتمتة والتحولات الديموغرافية يتطلب من البلدان إصلاح هياكل اقتصاداتها. وإذا لم نتحرك، ستظل بلدان عديدة رهينة نمو باهت. وتوضح أبحاث الصندوق الجديدة التي تركز على الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية بوجه خاص، كيف يمكن للإصلاحات الهيكلية أن ترفع الإنتاجية وتولد مكاسب اقتصادية هائلة.
وتمثل هذه التغييرات عاملا أساسيا في تحقيق نمو أعلى على المديين المتوسط والطويل.