قضاء الحوائج
لست أرى أفضل ولا أجل للقلوب وإسعاد النفوس من قضاء حوائج الناس. لعل كثيرا مما يناقش اليوم يرتبط بالعلاقة الشخصية، وربطها بالخدمات الوظيفية، وتلكم حالة شاذة قد لا يطول أثرها مع التغيرات الجذرية الحاصلة في المجتمع.
نحتاج إلى قراءة أعمق في كيفية التعامل مع المحتاج، وترتيب الأولويات بعيدا عن المصالح الشخصية الآنية أو الدنيوية بشكل عام. هذا النمط الجديد يبنى على تقديم العون دون البحث عن النتائج، أي أن التعامل سيكون ساميا، ولئن ذكرنا أمثلة من تاريخنا الثري سيعترض البعض بحكم اختلاف الأجواء والمراحل الزمنية؛ لتصبح حواراتنا سفسطية بعيدة عن تحقيق مردود يؤدي المطلوب.
هنا نقطة يمكن عندها أن نبحث في ترتيب الأولويات والعلاقات الشخصية التي نبني عليها تعاملنا مع من يحتاجون إلى خدماتنا، ولعل الخدمة في العلاج خير دليل على نجاعة المفهوم المبني على الصدق في مواجهة الحال ومساعدة من لا نريد منهم جزاء ولا شكورا.
قصصت سابقا حالة أذهلتني لجار لي دخل مستشفى خاص لإجراء عملية في قلبه، وكان ميسور الحال. شاهد جاري شخصا من جنسية عربية يجوب الممرات جيئة وذهابا، فطلب من ابنه أن يسأل الرجل عما يشغله. جاء الابن ليخبر والده أن ابن الرجل في حاجة إلى عملية مماثلة لعملية جاري وأنها تكلف ما يقارب الـ50 ألف ريال ولا يملك الأب منها إلا نحو عشرة آلاف، والعملية مهمة ولا بد من إجرائها في الغد.
أمر جاري ابنه أن يذهب إلى محاسبة المستشفى ويدفع الـ50 ألفا، فاعترض ابنه وحاول أن يثنيه عن عزمه بل إن النقاش وصل إلى درجة هزيمة الابن في محاولته أن يدفع جاري ما يكمل مبلغ العملية. رفض الجار، وكاد يغضب على ابنه، فتوجه الابن إلى المحاسبة وسدد المبلغ كاملا.
في صبيحة اليوم التالي جاء الطاقم الطبي لعمل فحوص أخيرة لجاري ليكتشفوا أنه سليم معافى وأنه لا يحتاج إلى العملية التي كانت ستكلفه أكثر من سبعين ألفا، فضلا عن آلام الجراحة التي ستكون لها عواقب غير معلومة. تلكم القصة لا تزال تعاودني باستمرار وفيها كل ما يطلبه الباحث عن تفريج الكربات من الشروط للمحتاج والقادر والكرب ونتائج ذلك.
هنا أتوقف وأقول إن كل عمل يراد به وجه الله تعالى سيكون له مردود أعظم على الشخص في دنياه وأخراه، وهو ما يجدر بنا جميعا البحث عنه بغض النظر عن مغريات أمور أخرى.