الإنترنت والتقنية ونظم المدفوعات «3 من 3»
من المنظور التقليدي، حاولت صناعة المال أن تجد حلا لمشكلة كسب الثقة بالعمل كوسيط محل ثقة بين أفراد وشركات لا يعرف بعضهم الآخر، بينما تدعم البنوك المركزية والجهات التنظيمية هذه الثقة بالرقابة على البنوك ومن خلال ضمان الودائع.
ويدفع الأفراد والشركات رسوما للبنوك مقابل تنفيذ معاملاتهم، بوسائل منها على سبيل المثال بطاقات الائتمان والتحويلات البرقية، لأن البنوك الأخرى والبنك المركزي على معرفة ببعضهم بعضا كأطراف مقابلة جديرة بالثقة.
إنها أعمال ضخمة بالنسبة إليها: فيذكر تقرير صادر عن "ماكينزي آند كومباني" أن البنوك تحصل على مبالغ مذهلة تصل إلى 1. 7 تريليون دولار في السنة، أي 40 في المائة من إيراداتها، من خدمات المدفوعات العالمية.
والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أنه، على الرغم من كل الابتكارات التكنولوجية، فإن تكلفة الوساطة المالية في الولايات المتحدة لم تتغير كثيرا منذ بداية القرن العشرين، كما ورد في بحث استشهد به آندرو هالدين، رئيس الاقتصاديين في بنك إنجلترا، في كلمة ألقاها أخيرا.
وتشير التقديرات في تقرير صدر عن البنك المركزي الأوروبي في 2012 إلى أنه، بخلاف الرسوم التي يدفعها كل طرف، تصل التكاليف غير المباشرة إلى 1 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، وتعني هذه النسبة في الاتحاد الأوروبي وحده نحو 130 مليار يورو في السنة.
وتبلغ تكاليف إرسال التحويلات إلى بلدان أخرى نسبا أعلى، نحو 8 في المائة، وفقا للبنك الدولي. ومع هذا، هناك عدد من الشركات المبتدئة، وكثير منها يستخدم "بيتكوين"، التي تجعل عمليات إرسال المدفوعات بمستوى البساطة والتكلفة الزهيدة للرسالة الإلكترونية نفسه.
طبقا لمؤيديها، يمكن استخدام تكنولوجيا "بلوكتشين" التي تقوم عليها "بيتكوين" في تحقيق تحول جذري في القطاع المالي، وذلك على سبيل المثال بتقليص الوقت اللازم لتسوية معاملات الأوراق المالية.
وإذا أجريت التسوية بوتيرة أسرع، سيحتاج الأمر إلى تجنيب أموال أقل لتغطية مخاطر الائتمان والتسوية — تماما كعدم الحاجة إلى ضمان في المعاملات النقدية.
وهناك قائمة أطول بالاستخدامات المحتملة، ولنفكر في صكوك الملكية مثلا — فعادة ما يضطر مشترو البيوت في الولايات المتحدة لشراء تأمين يحميهم من المسؤولية التي قد تنشأ من أي مطالبة غير متوقعة على العقار الذي يبتاعونه — أو عملية شراء سيارة أو تسجيلها أو سداد الضرائب المستحقة عليها.
ومن شأن "بلوكتشين" أن تقدم إثبات ملكية رقمي غير قابل للتزوير، فضلا عن سجل كامل لسلسلة الملكية. وهناك كذلك قدر كبير من الحماس للعقود الذكية ذاتية التنفيذ مثل تأمين السفر الذي يدفع تلقائيا في حالة إلغاء رحلة الطائرة، أو قرض شراء سيارة الذي يعطل تشغيل السيارة في حالة عدم سداد الأقساط المستحقة.
كذلك تدعم تكنولوجيا "بلوكتشين" بديلا عن "بيتكوين" يطلق عليه "إثيريوم" بعملة تبلغ قيمتها نحو 800 مليون دولار، الذي بدأ أخيرا يجذب بعض الاهتمام التقليدي.
وبخلاف "بيتكوين"، فمؤسسها معروف، وهو فيتاليك بوتوران، البالغ من العمر 22 عاما، وهو روسي- كندي لم يكمل دراسته الجامعية.
كذلك يرى جيري كومو، نائب رئيس شركة آي بي إم المختص بتكنولوجيا "بلوكتشين" أن هناك تطبيقات محتملة لسلاسل "بلوكتشين" الخاصة ذات الأغراض المحددة تسهم في تحسن الشفافية من خلال الامتثال والتدقيق، وذلك في تناقض صارخ مع سمعة "بيتكوين" باعتبارها سرية ومجهولة الهوية. ويقول إن "بيتكوين" مجهولة الهوية من أساسها، ويستفيض في شرحه قائلا: إنه مع هذا، من الممكن جدا أن تكون لدينا "بلوكتشين" بمستويات مختلفة من النفاذ، حيث لا يرى المشاركون ما يفعله الآخرون، لكن أجهزة التدقيق والتنظيم تأتي في مستوى أعلى وترى كل ما يجري.
وعلى الرغم من استحواذ عالم الشركات المبتدئة على قدر كبير من تجربة تكنولوجيا "بلوكتشين"، فإن شركة آي بي إم واحدة من عدد من كبرى الشركات التي بدأت تعنى هي أيضا بالتجربة.
وانضمت في كانون الأول (ديسمبر) الماضي إلى مؤسسة لينوكس لنشر تكنولوجيا "بلوكتشين" مع برمجيات مفتوحة المصدر "أي أنه يمكن لأي مبرمج العمل فيها، على عكس النظم المملوكة لشركات مثل ويندوز"، وهناك تعاون بين بنوك كبيرة مثل جي بي مورجان تشيس آند كو، وشركات تكنولوجيا مثل "سيسكو" و"إنتل" بخصوص هذه المبادرة.
وفي شباط (فبراير)، انضمت بورصة طوكيو لشركة آي بي إم لاختبار استخدام "بلوكتشين" في تسجيل عمليات التداول في الأسواق ذات المعاملات المنخفضة، وطلبت البورصة الأسترالية من "ديجيتال أسيت هولندينجز"، وهي شركة مبتدئة، تطوير تكنولوجيا دفاتر الحسابات الرقمية الموزعة لتطبيقها في عمليات المقاصة والتسوية.
وهناك اتحاد من 42 بنكا عالميا يعمل مع شركة جديدة هي R3 لتطوير تكنولوجيا دفاتر الحسابات الرقمية الموزعة القياسية للصناعة المالية.