أزمة «هواوي»
تواجه الولايات المتحدة تحديا كبيرا في المجال الذي سيطرت فيه، وهو الاقتصاد. هذا التحدي يأتي من اقتصاد بقي تحت التأسيس والإعداد لفترة طويلة مستفيدا من كل الأطماع، التي جرت دولا كثيرة إلى التعامل معه بحكم الأفضلية السعرية التي كان يعبر عنها بنمط الدخل للعامل الصيني.
استمرار اندفاع الدول الغربية للصين للإنتاج، ونقل كثير من المصانع إلى تلك المنطقة المتحفزة للتعلم والتطبيق، جعل الاقتصاد الصيني ينمو بشكل مستمر ومتسارع، لدرجة أن كثيرا ممن كانوا يعتقدون أن الصين لن تستطيع أن تنافس الاقتصادات الغربية، غيروا رأيهم في مرحلة متأخرة، ليكتشفوا أن المارد الآسيوي خرج من قمقمه متسلحا بأفضل التقنيات، ومنتجا لأغلب مكونات الاستهلاك في كل دول العالم.
ما كانت تبني عليه هذه الدول هو أن اقتصاد الصين ليس مبنيا على البحوث، إنما على التقليد والهندسة العكسية في كثير من الحالات، لتأتي صدمة "هواوي"، الشركة التي بدأت تسيطر على عالم التقنية والاتصالات في جميع مجالاتها تقريبا. الشركة التي تنتج البرامج وتوفر الخوادم وتربط الشبكات وتدير كل العمليات، أصبحت تحاول أن تسبق الغرب في سباق الجيل الخامس G5، وهي التي كانت الدول تحاول أن تحد من إطلاقها لدرجة أدت إلى تراجع البحث في مجالها بسبب المخاطر الأمنية، التي يمكن أن تسببها.
"هواوي" تسبب الصداع الأكبر للولايات المتحدة اليوم، لكنها ليست فريدة في واقع الأمر، فالصين تحظى بمراكز مرموقة في مجال التمويل بكثير من المنتجات والمواد الخام، وهذا من الأمور التي دعت الولايات المتحدة إلى مراجعة قرار المقاطعة، الذي اتضح أنه سيضر الولايات المتحدة أكثر من الصين.
الحكمة الصينية القديمة، التي بنيت على الهدوء، وترك اللاعبين يقدمون كل ما لديهم وادعاء الضعف، والابتعاد عن النزاعات الدولية، مكنت هذا العملاق من استعادة عافيته، وتغيير مساره من الاشتراكية، التي يعمل فيها الكل لمصلحة بعضهم، إلى الرأسمالية، التي نجحت في رفع مستوى دخل الفرد أكثر من 1000 في المائة خلال أقل من عشر سنوات. فلم تصح دول الغرب إلى خروج الصين من عقدة الدخل الأقل، إلا والصين قد دخلت في مجالات تمكنها من أن تصل إلى مستويات الدخل في العالم الغربي نفسه، وتستمر في المنافسة الشرسة. رحلة 40 عاما جعلت من "هواوي" الخطر الأعظم.